أيوب صالحي يكتب: كيف نتعامل مع الحزن والفرح

بقلم الدكتور أيوب صالحي
مدرس في كلية التربية جامعة صلاح الدين – أربيل
قال تعالى (( وَتِلْكَ الأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ )) آل عمران : يبين لنا سبحانه وتعالى أن الإنسان لا يعيش كل الأوقات في فرح ولا في حزن ليست الحياة كلها أفراحا وليست كلها أحزانا بل نحن في حياتنا معرضون للحزن والفرح والمسرات والانكال والنصر والهزيمة كما أنَ سنة الحياة الليل والنهار والحرَ والبرد وطبيعة الأرض فيها انبساط وارتفاع وجبال وسهوله , فإن الدنيا لا تدوم على حال وتقلباتها كثيرة ومفاجئاتها مخيفة لا يعلم الإنسان متى يصاب بالمصائب ومتى ترفع عنه المصيبة. مادام هكذا حال الدنيا يجب على المؤمن أن يتعود معها ويستعد لكل ما يمكن ويتوقع , ويصبر على بلائها ويفرح بفضل الله ورحمته ويلتزم برضى الله ويجب أن يعلم المؤمن أن الدنيا دار إبتلاء يبتليه الله سبحانه وتعالى بالحسنات والسيئات لعلهم لغرض رجوع عباده إليه قال تعالى (وبلوناهم بالحسنات والسيئات لعلهم يرجعون )الأعراف وينبغي للمؤمن أن ويردد قول الله تعالی ( قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَٰلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِّمَّاا يَجْمَعُونَ) یونس وقوله تعالی ( وعسی ان تکرهوا شیئا وهو خیر لکم والله يعلم وأنتم لا تعلمون ) البقرة : وقول النبي صلى الله عليه وسلم ( عَجَبًا لِأَمْرِ الْمُؤْمِنِ، إِنَّ أَمْرَهُ كُلَّهُ خَيْرٌ، وَلَيْسَ ذَاكَ لِأَحَدٍ إِلَّا لِلْمُؤْمِنِ، إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ، فَكَانَ خَيْرًا لَهُ، وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ صَبَرَ، فَكَانَ خَيْرًا لَهُ ) رواه مسلم . ويربط قلبه بقدر واعلم أنت في دار الابتلاء لا تكن طبيعتك كالمشركين عندما يبتليهم الله بالنعمة يفتخرون وعندما يبتليهم بالنقمة والفقر يقولون أهاننا الله قال تعالى ( فَأَمَّا الْإِنسَانُ إِذَا مَا ابْتَلَاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَييَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلَاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ ) الفجر: بل كل ابتلائات الله ليست عبثا بل فيها حكمة ومقصد والمهان الحقيقي هو الذي يعصي الإله ولا يؤمن به ولا يهتدي بهديه عطاء الدنيا ليست قياس وليست على أساس قيمة الإنسان والله هو يقسم المعيشة بيننا هو مالك الملك يؤتي الملك من يشاء وينزع المللك ممن يشاء لكن كل من العطاء والمنع والنزع فيه حكمة ومقصدوعدل وإحسان أسماء الله وأفعاله وصفاته كلها حسني .
كيف نتعامل مع الفرح والحزن :
1-لا تفرح عند الخير فرح البطر والغرور , ولا تحزن عند الأحزان حزن الهلاك واليأس والذوبان , فهذه من صفات الكفاروهم يعيشون إما في البطر والغرور عند النعمة أو في اليأس عند الشرَ قال تعالى فيهم (وَإِذَا أَنْعَمْنَا عَلَى الْإِنْسَانِ أَعْرَضَ وَنَأَى بِجَانِبِهِ وَإِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ كَانَ يَئُوسًا) الإسراء : لذا على المؤمن أن يحاول ضبط عواطفه وإيثاراته وأن يزنها بميزان الشرع دون إفراط ولا تفريط, فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يفرح ويحزن لكن بشكل الوسط وحدود معقولة لا يتجاوزهما عن حدهما , لأن الحزن لو تجاوز عن حده يؤثر على سلوكه وقلبه وإيمانه وجسمه ويعرضه للجلطة والموت وأنواع الأمراض الجسمية والنفسية كلها بسبب الحزن كما قال تعالى في وصف يعقوب عنده حزنه لفراق ابنه يوسف عليهما السلام قال تعالى : (وَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقَالَ يَا أَسَفَى عَلَى يُوسُفَ وَابْيَضَّتْ عَيْنَاهُ مِنَ الْحُزْنِ فَهُوَ كَظِيمٌ )يوسف : الأسف :هو أشدٌ الحزن والندم فهدا عتاب من الله . كَظيمٌ: أي مملوء حزنا. وابيضت عيناء: قيل لم يبصر بهما ست سنين, وأنه عمي بسبب الحزن . لكن دقق تأثير الفرح والسرور على قلبه وجسمه لما سمع يعقوب خبر يوسف وتأكد من صحته بشم قميصه كيف تغير حاله وشفي بصره تأمل تأثير الهم والفرح على حال الإنسان ؟ قال تعالى ( فَلَمَّا أَن جَاءَ الْبَشِيرُ أَلْقَاهُ عَلَىٰ وَجْهِهِ فَارْتَدَّ بَصِيرًا ۖ قَالَ أَلَمْ أَقُل لَّكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ )يوسف : كم من الناس يصاب بالجلطة ومرض السكري وضغط الدم بسبب شدة الهموم والحزن فهذا النوع من قتل النفس ويشمل قوله تعالى (ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة ) البقرة : لذا أمرنا تعالى ( ولا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين ) آل عمران الآية : دليل على أن الإنسان يستطيع أن لا يضعف ولا يحزن حزن المذموم أمام المصائب ولا يستسلم وإلا كيف نهانا عنه سبحانه وتعالى ؟ ولا تكليف بما لايطاق ؟ وأن النبي يستعيد بالله من الهم والحزن كل يوم صباحا ومساء مرَرات والدعاء من أعظم دواء وشفاء للهم والحزن قال صلى الله عليه وسلم : ( اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْهَمِّ وَالْحَزَنِ، وَالْعَجْزِ وَالْكَسَلِ، وَالْبُخْلِ وَالْجُبْنِ، وَضَلَعِ الدَّيْنِ، وَغَلَبَةِ الرِّجَالِ ) رواه البخاري.
2- الوسطية في الحزن والفرح وبقدر ما يحتاج إن الإنسان لا يستطيع أن لا يحزن أبدا لكن ينبغي أن لا يتجاوز عن وحده ولا يستسلم له ولا يهلك نفسه به ولا تضعف طاقته به بل يقاوم ويسيطر عليه بالصبر والرضي وقوة الإيمان والشخصية , لأن المغالات في الفرح والحزن حرام وإفراط وظلم وطغيان وخطر على دينه وعقله وجسمه وفكره , كما أنالرسول لم يكن له ابن فرزقه الله بإبراهيم ففرح به فرحا في وحده وعندما ظهر جماله مات فغسله وكفَنه وصلى عليه ووضعه يديه , وقال صلى الله عليع وسلم (أحبب حبيبك هونا ما عسى أن يكون بغيضك يوما ما وأبغض بغيضك هونا ما عسى أن يكون حبيبك يوما ما ) حكم الحديث صحيح .كل ما على الأرض الذي تفرح به أو تحزن به معرض للفناء والفقد لاضمانة في حياتك وموتك ولا يدري أحد ما يفعل به غدا ( إِنَّ اللَّهَ عِندَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ ۖ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَّاذَا تَكْسِبُ غَدًا ۖ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ ) لقمان .
3- كما أن تجاوز الحزن معصية وخطر على كيان وإيمان الإنسان كدلك علينا أن نحدر كل الحدر من الفرح بالباطل والتجاوز عن حده فهو يورث الغرور والبطر والغفلة والترف , كما أن قارون من حواري وناصر وعلماء قوم موسى لكن سبب هلاكه وطغيانه فرحه بالباطل وحبه للترف والمال والمنصب واللهو فوقع في غفلة لم يستيقظ حتى خسفه الله مع ما يفرح به قال تعالى ( إنَّ قَارُونَ كَانَ مِن قَوْمِ مُوسَىٰ فَبَغَىٰ عَلَيْهِمْ ۖ وَآتَيْنَاهُ مِنَ الْكُنُوزِ مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ إِذْ قَالَ لَهُ قَوْمُهُ لَا تَفْرَحْ ۖ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ ) القصص .
علاج الحزن من أعظم علاجات الربانية للحزن والهم :
1- قال تعالى ( لِّكَيۡلَا تَأۡسَوۡاْ عَلَىٰ مَا فَاتَكُمۡ وَلَا تَفۡرَحُواْ بِمَآ ءَاتَىٰكُمۡۗ وَٱللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخۡتَالٖ فَخُورٍ ) الحديد .
المؤمن يصبر على المصيبة ويشكر على النعمة لا ييأس بفقد شيء ولا يغتر بعطائه , من كمال رحمه الله بنا شرع لنا ما نحفظ به قلوبنا من الهم والحزن فأرشدنا إلى أن لا نحزن على شيء فات وأن لا نفرح فرح البطر ولا نغتر بشيء آت ولك الساعة التي أنت فيها ,إذا انتهى وقتها يجب أن ينتهى اهتمامك بها وتاخذ العبرة للمستقبل , والأسى على ما فات يضعف طاقتك ويثبط همتك والمستقبل غيب لا يعلمه إلا الله .
2- علينا أن نحسن الظن بالله ونحسن طريقة تفكيرنا ونجعلها إيجابية والتفاؤل كما قال صلى الله عليه وسلم ( تفاءلوا خيرا تجدوه ) وقال تعالى في حديث القدسي (انا عند ظن عبدي بي , إن ظنَ بي خيراً فلهُ وإنْ ظنَ شراً فلهُ ) رواه أحمد الحديث صحيح , وفي روايه (فَليظنَ بي ماشاءَ) هذه قاعدة ربانية في التعامل مع عباده حسب ظنه به من ظن به خيرا يعطيه خيراً وان ظن به أن ينزل إليه شراً حسب ظنه يتعامل معه , والمعنى أعاملُه على حسب ظنه بي وأفعل به ما يتوقعه مني من خير أو شر. أما من أحسن الظن بالله وهو يسيء العمل , ويُصرَ على الكبائر ةيعمل الظلم , ويقوم بالمخالفات الشرعية فهذا تنمي فارغ وعمل باطل المؤمن المتفائل يستطيع أن يحول القضايا المحزنة السلبية إلي قضايا إيجابية فرحة تطبيقا لقوله تعالى ( وعسى أن تكرهوا شيئاً وهو خيرٌ لكم ) .
3- على الإنسان أن يتغلب على الحزن بالصبر والرضاء بقضاء الله ويعلم يقينا بأن مع العسر يسر كما قال تعالى (فإن مع العُسريُسراً إن مع العُسر يُسراً) الشرح: وفي الحديث مارواه إمام مالك في الموطأ ( مهما ينزل بعبد مؤمن من منزل شدة يجعل الله بعده فرجا وإنه لن يغلب عسر يسرين وأنَ الله تبارك وتعالى يقول في كتابه ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) يجب أن يعلم المؤمن أن الحزن مكفرات للذنوب ورفع للدرجات ودفع للبلاء شفاؤك وزوال همك وأمنياتك بيدالله لا يعجز الله شيئاً ثق بربك وتول عليه .
4- قال تعالى ( وأما بنعمة ربك فحدث ) الضحى: التحدث والتذكر بنعمة الله علامة القناعة والرضى والإجابية في التفكير وصحة العقل وصفاء القلب وإنصاف الرؤية . أن ترى نعمة الله عليك من كل الجوانب من الإيمان والهداية والمعرفة لذا واجب عليك أن تقول كل يوم كم مرات في الفاتحة في الصلاة الحمدلله رب العالمين فهي تدكر بنعمه وكل نعمة من الله وما بكم من نعمة فمن الله . وقال تعالى ( أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُم مَّا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً ۗ) لقمان قل تعالى (وذكرهم بأيام الله) ذکرأيام النجاة والنجاح والصحة والفرحة والعطاء الإنسان السلبي يتفكر دائما في السلبيات والأيام المحزنة كما قيل انظر إلى الزجاج وقل نصفه مليئة لا تقل نصفه فارغى حتى تحسن بنعمة الله أرشدنا الرسول صلى الله عليه وسلم أن ننظر الى من هو أسفل وأسوه حالنا ( انظروا إلى من هو أسفل منكم، ولا تنظروا إلى من هو فوقكم، فإنه أجدر أن لا تزدروا نعمة الله) رواه مسلم . لأن الإنسان إذا رأى من فضل عليه في الدنيا طلبت نفسه مثل ذلك, واستصغر ما عنده من نعمة الله تعالى , وحرص على الازدياد ليلحق بذلك أو يقاربه,هذا هو حال أغلب الناس في عصرنا خصوصا, وأما إذا نظر في أمور الدنيا إلي من هو ظهرت له نعمة الله تعالى عليه, فشكرها وتواضع, وفعل فيها الخير .