عرب وعالم

تضامن الشعوب الإفريقية الآسيوية تعقد ندوة موسّعة في القاهرة لبحث مستقبل السودان تحت عنوان “نحو مخرج آمن للسودان”

عبدالرحمن ابودوح 

استضاف مقر منظمة تضامن الشعوب الإفريقية الآسيوية بالقاهرة، اليوم الخميس الموافق 27 نوفمبر، ندوة حوارية كبرى حملت عنوان “نحو مخرج آمن للسودان”، بمشاركة نخبة من المسؤولين العرب والسودانيين وممثلين عن منظمات المجتمع المدني وخبراء في الشؤون الإفريقية والعربية. وجاء انعقاد الندوة في إطار جهود المنظمة لدعم مسارات إنهاء الحرب المستمرة في السودان منذ أكثر من عام ونصف، وما خلفته من تداعيات إنسانية وأمنية تهدد وحدة البلاد واستقرارها.

 

وقد شارك في الندوة كلّ من الدكتور عبد الحسين الهنداوي، مساعد الأمين العام لجامعة الدول العربية، إلى جانب عدد من الوزراء السابقين ورؤساء الأحزاب والمفكرين والباحثين، فضلاً عن قيادات مجتمعية سودانية وممثلين لقطاعات إعلامية وثقافية. وأدارت النقاشات الإعلامية أسماء الحسيني، نائب رئيس اتحاد الإعلاميين، في جلسة اتسمت بالجدية ووضوح الرؤى وتنوّع وجهات النظر.

دعوات لوقف الحرب واستعادة المسار السياسي

 

افتُتحت الندوة بكلمات أكدت حجم التحديات التي تواجه السودان في ظل التصعيد العسكري المستمر، وسط دعوات متكررة لوقف فوري وشامل للقتال وإطلاق مسار وطني جامع يُسهم في إعادة بناء مؤسسات الدولة والحفاظ على وحدة البلاد. وأظهر الحاضرون توافقاً على أن المرحلة الراهنة هي الأخطر في تاريخ السودان الحديث، وأن مسؤولية القوى السياسية والمجتمعية باتت أكبر من أي وقت مضى لإنقاذ الدولة من التفكك والانهيار.

 

العرابي: الحل يجب أن يكون سودانياً خالصاً والقاهرة منصة للحوار

 

وفي كلمته أمام المشاركين، أكد السفير محمد العرابي، رئيس منظمة تضامن الشعوب الإفريقية الآسيوية ووزير الخارجية المصري الأسبق، أن السودان يمرّ بلحظة حرجة تتطلب تحركاً عاجلاً ومسؤولاً من أبنائه قبل أي طرف آخر. وشدّد العرابي على أن الحل الحقيقي للأزمة السودانية يجب أن يكون نابعاً من الداخل، وأن الشعب السوداني يمتلك من الوعي ما يؤهله لصياغة تسوية سياسية قادرة على إنهاء الأزمة إذا أُتيحت له فرصة حقيقية للحوار.

 

وأوضح العرابي أن المنظمة تضع كل إمكاناتها وخبراتها الإقليمية لدعم جهود إيقاف الحرب وإعادة بناء الثقة بين الأطراف السودانية، مؤكداً أن القاهرة ستظل منصة مفتوحة للم الشمل السوداني، ومعبراً آمناً نحو تسوية تحمي وحدة الدولة وسيادتها. ووصف العرابي الحرب الدائرة بأنها “حرب عبثية” لم يحقق خلالها أي طرف مكاسب حقيقية، فيما دفع المدنيون الثمن الأكبر من أرواحهم ومعيشتهم واستقرار حياتهم.

 

كما حذّر من خطورة استمرار النزاع، الذي قد يؤدي إلى مزيد من التشظي الداخلي والتهديدات العابرة للحدود، مؤكداً أن استقرار السودان يمثل ركناً أساسياً لاستقرار المنطقة بالكامل. وطالب بضرورة توحيد المبادرات الإقليمية والدولية الخاصة بالسودان، داعياً إلى مقاربة أكثر تماسكاً تضمن عدم تضارب المسارات المطروحة للحل.

إحسان والحلفي: وقف الحرب أساس الحل… والسلام خيار لا يحتمل التأجيل

 

وفي كلمة أخرى، شدّد الدكتور محمد إحسان، السكرتير العام للمنظمة، على أن وقف إطلاق النار يمثل المدخل الحقيقي لأي عملية سياسية جادة وقابلة للاستمرار، داعياً إلى الاستفادة من تجارب الشعوب الأخرى التي دفعت أثماناً باهظة قبل أن تدرك أن الحرب لا تبني أوطاناً بل تدمّرها. وأضاف أن العملية السياسية في السودان لن يمكن أن تنجح ما لم تترافق مع إجراءات لضمان حماية المدنيين وتهيئة بيئة سياسية آمنة.

 

أما الدكتور جاسم الحلفي، نائب رئيس المنظمة، فقدّم رؤية إنسانية عميقة استندت إلى المشهد الرمزي في رواية “موسم الهجرة إلى الشمال” للطيب صالح، مستحضراً صرخة الراوي “أغيثوني” باعتبارها صوتاً يعكس واقع السودان اليوم. وقال الحلفي إن السودان يقف “بين ضفّتين”: ضفة الماضي المثقلة بالدمار، وضفة المستقبل التي تحتاج إلى شجاعة اتخاذ القرار بالسير نحو السلام.

 

وأكد أن وجود الشخصيات السياسية والمفكرين والعسكريين والإعلاميين تحت سقف واحد في القاهرة يعبّر عن قدرة السودانيين على الاجتماع مهما اشتدت الأزمات، مبيّناً أن الغرق لا يفرّق بين سلطة ومعارضة ولا بين مدينة وريف، وأن الأمم لا تُنقذ بالرصاص بل بالحوار والاتفاق الأخلاقي والوطني. ودعا إلى الخروج من الندوة باتفاق حد أدنى، يتمثل في وقف النزيف، استعادة الثقة، والبحث عن مخرج آمن يضمن مستقبل السودان ووحدته.

 

واختتم كلمته ببيتٍ للشاعر السوداني محمد الفيتوري يعكس جوهر الرسالة التي حملتها الندوة:

“أنا أفريقيا… أنا السودان

أنا من يبذل الجسدَ الطاهرَ كي يحيا الإنسان”.

جلسات نقاشية: رؤية أعمق للأزمة وطرح حلول عملية

 

شهدت الندوة سلسلة من النقاشات المتعمقة التي تناولت جذور الصراع وتطوراته السياسية والإنسانية، حيث أجمع المشاركون على أن وقف الحرب هو الخطوة الأولى والأكثر إلحاحاً، وأن استمرار النزاع يعمّق مأساة المدنيين ويهدد بتمزيق النسيج الاجتماعي السوداني.

 

وقدّم المتحدثون مجموعة من المقترحات، أبرزها:

  • إطلاق عملية سياسية شاملة تضم جميع الأطراف دون إقصاء، مع الالتزام بمبادئ احترام السيادة ووحدة الدولة.
  • تشكيل جبهة وطنية سودانية تمثل القوى السياسية والمجتمعية المؤثرة، تعمل على بناء رؤية وطنية لإنقاذ البلاد وتحديد المسار الانتقالي.
  • العمل على بناء الثقة بين الأطراف المتحاربة من خلال إجراءات عملية، تشمل حماية المدنيين وتسهيل وصول المساعدات الإنسانية.
  • رفض التدخلات الخارجية التي تسهم في تعقيد المشهد أو تغذية النزاع.

 

وضع خارطة طريق واضحة تضمن العودة التدريجية إلى مؤسسات الدولة وتهيئة بيئة آمنة للانتقال السياسي.

 

واتفق المشاركون على أن السودان بحاجة إلى حوار وطني مسؤول، يضع المصلحة العامة فوق الحسابات الضيقة، ويضمن مشاركة جميع مكونات المشهد السياسي والاجتماعي.

 

ختام الندوة: دعوة لاستمرار اللقاءات وتحويل الحوار إلى خطوات عملية

 

اختُتمت الندوة بالتأكيد على أهمية استمرار اللقاءات السودانية–السودانية في القاهرة أو أي منصة توفر بيئة آمنة للحوار، وذلك بهدف تحويل النقاشات إلى خطوات عملية. وشدد الحاضرون على ضرورة بناء مسار تراكمي للعمل السياسي، يقود إلى وقف شامل للقتال وعودة مؤسسات الدولة وبدء مرحلة إعادة البناء والتنمية.

 

وأكدت منظمة تضامن الشعوب الإفريقية الآسيوية أن هذه الندوة تأتي ضمن سلسلة من المبادرات التي تقودها المنظمة لتعزيز الدبلوماسية الشعبية وبناء جسور التواصل بين الشعوب، وتفعيل دور المجتمع المدني في مواجهة التحديات المشتركة، وفي مقدمتها دعم السلام في السودان باعتباره جزءاً من الأمن الإقليمي الإفريقي–الآسيوي.

 

وبهذا أنهت الندوة أعمالها برسالة محورية مفادها أن المخرج الآمن للسودان ما يزال ممكناً، وأن إرادة أبناءه، إذا ما توحّدت، قادرة على إعادة الوطن إلى ضفّة السلام والاستقرار.

 

 الخالد: “الكلمة الصادقة اليوم هي جزء من المعركة من أجل سلام السودان”

 

وفي تصريح خاص على هامش الندوة، أكد الأستاذ نزار الخالد، مساعد رئيس المنظمة للشؤون الإعلامية والثقافية والعلاقات العامة، أن انعقاد الندوة في هذا التوقيت يعكس إدراك المنظمة لحجم المخاطر التي تحيط بالسودان والمنطقة، مشدداً على أن الإعلام والثقافة يشكّلان خط الدفاع الأول في مواجهة خطاب الكراهية والانقسام الذي فاقم الأزمة.

 

وقال الخالد:“لسنا هنا فقط لننقل وجهات النظر، بل لنؤكد أن الكلمة الصادقة اليوم هي جزء من المعركة من أجل سلام السودان. فالإعلام الواعي يمكنه أن يساهم في إطفاء الحرائق لا إشعالها، والثقافة قادرة على أن تفتح نوافذ للحوار حين تُغلق الأبواب. رسالتنا هي أن السودان يستحق خطاباً مسؤولاً يوحّد ولا يفرّق، يبني ولا يهدم.”

 

وأضاف أن المنظمة ستواصل أداء دورها في تقديم منصات للحوار السوداني–السوداني، مشيراً إلى أن نجاح أي عملية سياسية يتطلب تهيئة بيئة إعلامية متوازنة تشجع على بناء الثقة ونبذ خطاب الإقصاء. وأكد أن المنظمة تعمل على تعزيز التعاون مع المؤسسات الإعلامية والثقافية السودانية من أجل دعم السلام وتعزيز الوعي المجتمعي.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى