تقارب محفوف بالمخاطر

بدأت تتضح الرؤية مؤخرًا حول مستقبل التقارب الإيراني العربي الذي هلل له الكثيرون وباركه عدد كبير من الدول العربية والإقليمية، والذي على ما يبدو أنه سار بدون دراسة واضحة المعالم لطبيعة الشخصية الإيرانية الراغبة في الهيمنة وبسط النفوذ والسيطرة على مجريات الأمور حولها، إذ في الوقت الذي قطعت فيه طهران على نفسها عهودًا بضرورة التأكيد على مبادئ حسن الجوار وغيرها من المبادئ التي أكد عليها الاتفاق السعودي الإيراني في العاصمة الصينية بكين، إلا أن ممارساتها في المنطقة لا تشير إلى تمسك إيران بما وقعت عليه من مبادئ.
تعد مشكلة حقل الدرة التي نشبت بين إيران كطرف والسعودية والكويت طرف أخر أحد أبرز تجليات تلك المسألة، ففي الوقت الذي دعت فيه إيران الكويت لضرورة الجلوس على مائدة الحوار لبحث إمكانية انخراط إيران مع الكويت في مسألة استغلال ثروات حقل الدرة، أعلنت الكويت أن المملكة العربية السعودية شريك أساسي مع الكويت في تلك المفاوضات، وهو ما رفضته إيران رفضًا قاطعًا، ما يثير الاستغراب حول حقيقة التوافق السعودي الإيراني ومجريات اتفاق بكين.
ويشير الرفض الإيراني لما تطلبه الكويت إلى رغبة إيرانية في التأكيد على مبدأ “فرق تسد”، والذي ترغب من خلاله في نشوب أزمة بين الكويت والسعودية تستثمرها طهران في الولوج إلى الكويت لتقاسم الثروة والنفوذ في حقل الدرة والمنطقة المغمورة المقسومة، وتقصي المملكة العربية السعودية من مسألة استغلال حقوقها في حقل الدرة.
ومن البديهي في مسألة استغلال الثروات في الحقول النفطية، أن تلجأ الدول المتفاوضة إلى ترسيم الحدود البحرية أولًا فيما بينهم، وعلى إثر ذلك التقسيم يسمح للدول المتفاوضة أن تنقب عن الثروات الطبيعية في حدودها البحرية كما شائت، وهو ما ترفضه إيران بالطبع، لأنها تعي جيدًا أن خروج إيران من منطقة ثروات حقل الدرة – في حال أظهر الترسيم بعد إيران عن مناطق الثروة في حقل الدرة – يعد خصمًا كبيرًا من رصيدها ونفوذها في المنطقة، فضلًا عن خسارتها للكثير من الأموال و الثروات التي كان من المتوقع أن تستفيد بها.
ومن هنا بات التقارب العربي الإيراني تقاربًا محفوفًا بالمخاطر، في ظل رغبة إيرانية بالتفوق على حساب العرب من النواحي كافة، سواء من الناحية الاقتصادية بدق أسافين الخلافات بين الدول العربية كالسعودية والكويت على سبيل المثال، لاستغلال ثروات حقل الدرة، أو بين دولًا أخرى تسعى إيران من خلالها إلى استثمار تواجدها في الإقليم لبسط السيطرة والنفوذ.
محمد خيري