الرئيسيةمقالات الرأي

د عادل عامر يكتب : أمريكا تستدعي تجربة العراق وأفغانستان في أوكرانيا

 

بقلم : الدكتور عادل عامر

 

إن تقديم المزيد من المخاطر هو تاريخ أوكرانيا المفصل في تحويل الأسلحة والفساد قبل الحرب، في حين أن عدم الاستقرار المطلق في البلاد يخلق المزيد من نقاط الضعف لإمدادات الأسلحة لدينا. تصر حكومة الولايات المتحدة على أنها تراقب ذلك، على الرغم من أن هيئات المراقبة تحذر من عدم وجود رقابة كافية حتى الآن لضمان عدم وقوع هذه الأسلحة في الأيدي الخطأ في يوم من الأيام.

 

في غضون الأشهر القليلة المقبلة، سيتم تسليم بطاريات صواريخ باتريوت ومركبات برادلي القتالية إلى أوكرانيا. بالإضافة إلى ذلك، وعدت بريطانيا العظمى بـ 14 دبابة تشالنجر 2 ومعدات ميكانيكية كافية لتجهيز لواء. تأمل لندن أن تستخدم أوكرانيا هذا التسليم باعتباره جوهر هجوم ربيع 2023 المضاد من قبل أوكرانيا. ما إذا كان هذا يحدث وماذا ستكون النتيجة هي التي سيتم تحديدها.

 

وكان بإمكان ترامب التخلي عن الحرب تمامًا لكنه اختار بدلاً من ذلك فرض قوة شخصيته، بداية من خلال فكرة أنه يستطيع إنهائها في غضون 24 ساعة، أو مهلة مُعدّلة قدرها 100 يوم.

 

ثم حاول التعامل مع شخصياتها، فتقرّب من الرئيس الروسي في البداية، مُرددًا روايته، ثم انتقد الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي علنًا في المكتب البيضاوي. وهاجم حلفاءه في حلف شمال الأطلسي (الناتو) بشدة، مطالبًا إياهم بدفع المزيد من المال لدفاع أوروبا، وهو ما فعلوه. ثم تباطأت جهوده الدبلوماسية، ولم تُسفر في النهاية عن نتائج تُذكر.

 

وكانت الولايات المتحدة أكبر مانح منفرد للمساعدات العسكرية لأوكرانيا منذ أن شنت روسيا غزوها الشامل في عام 2022، حيث زودت أوكرانيا بأنظمة دفاع جوي وطائرات بدون طيار وقاذفات صواريخ ورادارات ودبابات وأسلحة مضادة للدروع، مما أثار مخاوف بشأن تضاؤل المخزونات الأمريكية. لكن ميزان المساعدات لأوكرانيا تغير بشكل كبير منذ عودة ترامب إلى السلطة، مما أثار شكوكًا حول مستقبل الدعم الأمريكي لكييف.

 

أن الحرب الأمريكية في العراق لم تكن مجرد “دراسة حالة” لكيفية تكيف خصوم الولايات المتحدة بتكتيكاتهم بهدف إبطال تأثير التكنولوجيا الأمريكية، ولكن أيضا كيف يمكن لتسليح الوكلاء أن “يرتد” على الولايات المتحدة.

 

إن الحرب في أوكرانيا أثارت الكثير من المشاعر القوية، إلا انه حذر من أن ذلك يجب ألا يقنعنا بأن إغراق أوكرانيا بأسلحة اكثر تطورا هو العلاج الشافي لهذه الحرب، لأنه “سيكون من الحكمة التذكر كيف أن سياسات مشابهة في أفغانستان والعراق، كان لها ارتدادها علينا”.

 

منذ بداية الحرب الروسية الأوكرانية في فبراير 2022، عملت الولايات المتحدة كواحدة من أبرز داعمي أوكرانيا. وفقًا للتقارير، خصص الكونغرس الأمريكي حوالي 183 مليار دولار للمساعدة في دعم أوكرانيا. تشمل هذه المساعدات العسكرية والمالية والإنسانية. ومع ذلك، يعتقد بعض المحللين أن الولايات المتحدة تستخدم هذه الحرب كأداة لإضعاف روسيا، بينما تبقى هي نفسها محصنة من التداعيات المباشرة لذلك. خاصة أن روسيا لم تتأثر بالقدر المتوقع من العقوبات الغربية، ولا تزال مستمرة في تصدير الطاقة وتوسيع علاقاتها الاقتصادية مع دول أخرى.

 

خلال فترة رئاسة ترامب الأولى، كانت سياسة الولايات المتحدة تجاه أوكرانيا محاطة بعدم اليقين. أظهر ترامب في بعض الأحيان رغبة في تحسين العلاقات مع روسيا، وحتى خلال محاكمته الأولى، تعرض لانتقادات بسبب ضغطه على زلنسكي للتحقيق بشأن خصومه السياسيين.

 

مع تولي بايدن الحكم، تم تعزيز دعم الولايات المتحدة لأوكرانيا. قدم بايدن مساعدات عسكرية ومالية كبيرة لأوكرانيا، وأعلن دعمه لسيادة أوكرانيا في المحافل الدولية.

 

ومع ذلك، فإن حكومة ترامب الجديدة تتبنى نهجًا أكثر حذرًا وعدوانية فيما يتعلق بأوكرانيا وروسيا مقارنةً بدعوماته السابقة. يسعى ترامب إلى تخفيف التوترات مع روسيا، وقد يقيد المساعدات الأمريكية لأوكرانيا. تركيزه الرئيسي هو على المفاوضات مع بوتين للتوصل إلى اتفاق ينهي الحرب في أوكرانيا ويحسن العلاقات مع موسكو. قد يؤدي هذا النهج إلى تقليل الدعم لأوكرانيا وإعطاء الأولوية لتحسين العلاقات مع روسيا.

 

تتمثل الاختلافات الرئيسية في سياسة ترامب الجديدة مقارنة بفترة رئاسته الأولى بشأن أوكرانيا وروسيا في شدة واتجاه التغييرات. في الفترة السابقة، كانت لدى ترامب رغبة في علاقات أقرب مع روسيا، وكان أحيانًا يقدم الدعم العسكري لأوكرانيا بحذر، لكن في الفترة الجديدة، لديه تركيز أكبر على تقليل التدخل الأمريكي في الحرب الأوكرانية وتحسين العلاقات مع روسيا. بدلاً من دعم أوكرانيا بشكل غير مشروط، يسعى ترامب للتوصل إلى اتفاق مع بوتين لإنهاء الحرب، مما قد يؤدي إلى تقليل المساعدات لأوكرانيا وإعطاء الأولوية للدبلوماسية مع روسيا.

 

لذلك، في الأسابيع الأخيرة، جذبت المفاوضات بين ترامب و ولوديمير بوتين، رئيس روسيا، انتباه المحللين. تشير بعض التقارير إلى أن ترامب يسعى إلى اتفاق يمكن من خلاله إنهاء الحرب في أوكرانيا وتحسين علاقات الولايات المتحدة مع روسيا. من المحتمل أن تكون هذه المفاوضات أحد الأسباب الرئيسية وراء تقليل دعم ترامب لزلنسكي، وقد أثبتت أنها ضارة له.

 

منذ بداية الحرب في أوكرانيا، لاحظ بيك نمطاً مألوفاً: دعماً عسكرياً وخطابياً قوياً من الولايات المتحدة، يليه تعب سياسي وارتباك استراتيجي. هذا المسار، كما يشير، يشبه إلى حد بعيد ما حدث في أفغانستان، حيث تحوّل الالتزام الأميركي دورةً من الاعتماد ثم التخلّي. في الحالتين، مارست واشنطن نفوذاً هائلاً، لكنها فشلت في توظيفه بذكاء واستدامة.

 

نرصد ثلاثة أوجه تشابه جوهرية بين النهج الأميركي في أفغانستان وما يجري اليوم في أوكرانيا، ونقدمها دروساً يجب عدم تجاهلها.

 

أولها: حصر المفاوضات مع العدو. في الحالتين كلتيهما، أصرّ الخصم – «طالبان» وروسيا – على التفاوض مع واشنطن مباشرة، من دون إشراك الحكومة المحلية. سمحت أميركا بذلك؛ ما منح الشرعية للطرف المعادي وأضعف الحليف. ففي كابل، أدى ذلك إلى تآكل مصداقية الدولة وانهيارها في نهاية المطاف. واليوم، إذا تفاوضت واشنطن مع موسكو من دون كييف، فقد تجد الأخيرة نفسها مستبعدة من مستقبلها السياسي.

 

ثانيها: تشويه صورة الحلفاء علناً. في أفغانستان، وجّه المبعوث الأميركي زلماي خليل زاد انتقادات حادة للرئيس أشرف غني، وعدَّه عائقاً للسلام. هذا الخطاب أثّر سلباً على المعنويات وعمّق الانقسامات الداخلية. يرى بيك أن هناك نبرة مشابهة تظهر أحياناً تجاه الحكومة الأوكرانية في تصريحات بعض المسؤولين الأميركيين، وهي نبرة تهدد بتكرار الأثر المدمر نفسه.

 

ثالثها: استخدام المساعدات أداةَ ابتزازٍ سياسي. التهديد بقطع الدعم – كما فعل الرئيس ترمب ودوائر في الكونغرس – لا يعزز السلام، بل يغذي التردد والانقسام. في أفغانستان، أدّى الانسحاب الأميركي المفاجئ إلى انهيار كامل. وفي أوكرانيا، يخشى بيك من أن وقف الدعم قبل التوصل إلى سلام دائم قد يؤدي إلى مصير مشابه.

 

لتجنّب تكرار سيناريو كابل، يقدّم بيك توصيات محددة تستند إلى التجربة. أولاها: ضرورة عدم تهميش أوكرانيا في أي عملية سلام. على واشنطن ألا تتفاوض نيابةً عن كييف، ولا أن تقبل تسويات تنتقص من سيادتها. يجب أن تكون الحكومة الأوكرانية وشعبها في صميم أي اتفاق، لا متفرجين على ترتيبات خارجية.

 

معركة أوكرانيا ليست فقط معركة على الأرض، بل معركة على الشرعية والكرامة الوطنية. ولكي يكون السلام المقبل مستداماً، لا بد أن يكون شاملاً ومبنياً على أسس عادلة، لا على تفاهمات تُملى من الخارج. العالم لا يتحمّل تكرار ما حدث في أفغانستان، وأوكرانيا تستحق سلاماً يكرّم تضحياتها.

 

الدكتور عادل عامر

 

دكتور القانون العام والاقتصاد الدولي

 

ومدير مركز المصريين للدراسات بمصر ومحكم دولي معتمد بمركز جنيف للتحكيم الدولي التجاري

 

وعضو ومحاضر بالمعهد العربي الأوربي للدراسات السياسية والاستراتيجية بفرنسا

 

زر الذهاب إلى الأعلى