د. عادل عامر يكتب : تطبيقات الذكاء الاصطناعي ومخاطر توظيفه في التطرف والإرهاب
بقلم: د. عادل عامر
يشهد العالم توسعًا غير مسبوق في استخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي، بما يقدّمه من إمكانات واسعة في مختلف مجالات الحياة. وفي إطار مكافحة التطرف والإرهاب، أصبح الذكاء الاصطناعي عنصرًا محوريًا بفضل قدرته على معالجة كميات هائلة من البيانات، وتسريع عمليات البحث والتحليل والتتبع بدرجة من الدقة والكفاءة لم يكن من الممكن تحقيقها بالأساليب التقليدية.
ومن أبرز تطبيقاته في هذا السياق؛ تقنيات التعرف على الوجه وربطها ببرمجيات المراقبة، وهو ما أسهم في تحديد هوية منفذي الأعمال الإرهابية في وقت قياسي مقارنة بما كان يستغرقه ذلك في الماضي من جهود بشرية ومالية ضخمة تمتد لأشهر، بينما بات الأمر اليوم يتم في ثوانٍ معدودة.
ولا يقتصر دور الذكاء الاصطناعي على التسريع والتسهيل، بل يمتد إلى رفع مستويات الدقة وتقليل هامش الخطأ، وإحكام عمليات الاشتباه والحصر والفرز، وهو ما يعزز الثقة العامة في المؤسسات الأمنية ويُشعر المواطنين بقدر أكبر من الطمأنينة.
تحديات وقيود قائمة
رغم المكاسب الضخمة التي يوفرها الذكاء الاصطناعي، فإن استخدامه في مواجهة الإرهاب يواجه عددًا من التحديات الجوهرية، من أبرزها:
1. بدائية الأدوات في بؤر الإرهاب
العديد من البيئات التي تُصنّف باعتبارها “مصانع للعنف والتطرف” ما زالت تعتمد أنماطًا بدائية في المعيشة، وتفتقر إلى التكنولوجيا الحديثة، الأمر الذي يحد من قدرة الذكاء الاصطناعي على النفاذ إليها أو التأثير في آليات تشكيل الفكر المتطرف فيها. والمفارقة أن مواجهة التطرف في تلك البيئات التقليدية أصعب بكثير من مواجهته في المجتمعات المتقدمة المنفتحة على وسائل الاتصال والحوار.
2. ازدواجية الاستخدام
الذكاء الاصطناعي أداة محايدة، ويمكن توظيفه في الاتجاهين: حماية الأرواح أو تهديدها. وقد انتقل استخدامه من دائرة التوقعات إلى التطبيق العملي لدى جماعات إرهابية، مثل استخدام تنظيم “داعش” طائرات مسيّرة ذكية، وكذلك محاولة اغتيال الرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو عام 2018 بطائرات مسيرة مفخخة. ويزداد الخطر حين تُدمج أكثر من تقنية في آن واحد، كربط المُسيّرات بالتعرف على الوجوه أو أنظمة تتبع ذكية.
3. القابلية للاختراق
جميع الأنظمة الإلكترونية –بما فيها المنظومات الأمنية– تحمل بطبيعتها مخاطر الاختراق. فأي شبكة تحتوي على منافذ لتبادل البيانات، وقد يستغلها المخترِقون لزرع برمجيات خبيثة للتجسس أو التخريب أو التلاعب بالمخرجات.
4. سباق التسلح في مجال الذكاء الاصطناعي
مع سباق القوى الكبرى لتطوير قدراتها في الذكاء الاصطناعي، أصبح الذكاء الاصطناعي جزءًا من معادلة النفوذ العالمي. فقد أعلنت الصين خطتها للريادة في هذا المجال بحلول 2030، بينما أكد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أهمية الذكاء الاصطناعي في ضمان التفوق العسكري. وفي الولايات المتحدة، اعتُمد الذكاء الاصطناعي كأحد ركائز الاستراتيجية الدفاعية.
غير أن غياب التفاهم الدولي حول تعريف الإرهاب وآليات مواجهته يعمّق الانقسامات، ويحدّ من فعالية التعاون الأمني العالمي. كما أن العلاقات المتشابكة بين قوى كبرى ودول مثيرة للجدل سياسيًا –مثل إيران وكوريا الشمالية وفنزويلا– تجعل القيود الغربية أقل فاعلية، وتفتح الباب أمام تسرب التكنولوجيا المتقدمة إلى أطراف يُخشى من توظيفها بشكل عدائي.
5. انتقال التقنيات من المشروع إلى غير المشروع
لم يعد خطر تسرب تقنيات الذكاء الاصطناعي إلى فاعلين من غير الدول احتمالًا نظريًا، بل أصبح واقعًا قائمًا، خصوصًا في الشرق الأوسط الذي يضم ثلاثة تنظيمات مسلحة تمتلك طائرات مسيرة وأنظمة توجيه ذكية: حزب الله، الحوثيون، وتنظيم داعش. وقد جرى بالفعل استخدام هذه القدرات في هجمات على قواعد ومؤسسات حيوية في المنطقة.
تحديات غير مباشرة
يشكل التوسع في تقنيات الذكاء الاصطناعي لأغراض أمنية تقاطعًا حساسًا مع مبادئ حقوق الإنسان والخصوصية الفردية. كما قد يفرض على المجتمعات المحافظة “انفتاحًا تقنيًا” غير مرغوب فيه. ورغم وجاهة هذه المخاوف، فإنها تظل قابلة للمعالجة، كما أن تهديدات الإرهاب أكثر خطورة على استقرار الدول والمجتمعات، ما يجعل تحمل هذه التحديات ثمنًا مقبولًا لضمان الأمن العام.
خلاصة
إن الذكاء الاصطناعي يمثل ثورة حقيقية في أدوات مكافحة الإرهاب، لكنه في الوقت ذاته يفتح الباب أمام مخاطر غير مسبوقة إذا لم تُوضع له ضوابط دولية صارمة. وحين يتحول من وسيلة حماية إلى أداة صراع، قد يصبح تهديده شاملاً، لا يميز بين دولة متقدمة وأخرى نامية. ومن ثمّ، فإن تبني رؤية عالمية مشتركة لإدارة هذه التكنولوجيا بات ضرورة لا غنى عنها لضمان أمن البشرية.




