الرئيسيةمقالات الرأي

د محمد إبراهيم شراقى يكتب : الوساطة والتحكيم في المنازعات الرياضية

بقلم : الدكتور محمد إبراهيم شراقى 

 

مقدمة

تحولت الرياضة في العقود الأخيرة من مجرد نشاط ترفيهي إلى صناعة عالمية ضخمة تسهم بفاعلية في دعم الاقتصادين الوطني والدولي، وأصبحت من أبرز مجالات جذب الاستثمار. هذا التطور أفرز تحديات قانونية متزايدة، أبرزها النزاعات التي تنشأ بين الأندية واللاعبين، وبين الاتحادات الرياضية وأعضائها، وكذلك النزاعات بين اللاعبين والرعاة أو الوكلاء. ونظرًا لخصوصية هذه المنازعات، برزت الوساطة والتحكيم كوسيلتين بديلتين وفعالتين لتسويتها، لما يتميزان به من السرعة والمرونة والسرية، بما يتناسب مع طبيعة النشاط الرياضي.

أولاً: الوساطة في المنازعات الرياضية

تعد الوساطة إحدى أهم الآليات البديلة لحل النزاعات الرياضية بالطرق الودية، حيث تتيح للأطراف الدخول في حوار مباشر تحت إشراف طرف محايد هو “الوسيط”، بهدف التوصل إلى تسوية ترضي جميع الأطراف وتحافظ على علاقاتهم الودية.

خصائص الوساطة:

• الطبيعة الودية وغير الملزمة: يقوم كل طرف بالتفاوض بحسن نية للوصول إلى حل مناسب، بينما يقتصر دور الوسيط على تيسير الحوار واقتراح الحلول دون أن يفرضها.

• اتفاق الوساطة: يمكن أن يتم قبل النزاع فيما يعرف بـ “شرط الوساطة”، أو بعد نشوء النزاع فيما يعرف بـ “مشارطة الوساطة”.

• مجال التطبيق: تقتصر الوساطة على المنازعات التعاقدية (مثل عقود اللاعبين أو الرعاية)، بينما تستبعد المنازعات التأديبية مثل قضايا المنشطات والتلاعب بنتائج المباريات.

• التنفيذ: إذا نجح الأطراف في التوصل إلى اتفاق، يتم تدوينه وتوقيعه، ويصبح بمثابة سند يمكن الاحتجاج به أمام هيئات التحكيم أو القضاء عند الإخلال به.

مزايا الوساطة:

• سرعة الفصل بما يتناسب مع خصوصية النشاط الرياضي.

• السرية الكاملة التي تحمي سمعة الأطراف وتمنع الضغوط الإعلامية.

• انخفاض التكلفة مقارنة بالتحكيم.

• تعزيز الروابط والعلاقات الودية بين الأطراف.

ثانياً: التحكيم في المنازعات الرياضية

يُعد التحكيم الرياضي أحد أبرز الوسائل التقليدية لحل النزاعات الرياضية، خاصة بعد إرساء دعائمه من خلال محكمة التحكيم الرياضي (CAS)، التي أصبحت المرجعية الدولية للفصل في المنازعات ذات الطبيعة الرياضية، في ظل غياب قضاء متخصص على المستويين الوطني والدولي.

الأساس القانوني:

• اتفاقية باريس 1994: ألزمت اللجنة الأولمبية الدولية بإنشاء لجان وطنية لفض المنازعات عبر التحكيم.

• اتفاقية نيويورك 1958: منحت أحكام التحكيم قوة تنفيذية دولية وألزمت الدول بالاعتراف بها وتنفيذها.

طرق اللجوء إلى التحكيم:

• شرط التحكيم في العقود الرياضية.

• مشارطة التحكيم بعد نشوء النزاع.

• النصوص الواردة في اللوائح الرياضية للاتحادات والمنظمات.

اختصاصات التحكيم الرياضي:

• المنازعات التعاقدية (عقود اللاعبين، الرعاية، البث التلفزيوني).

• المنازعات التأديبية (العقوبات، قضايا المنشطات، التلاعب بالنتائج).

• المنازعات المرتبطة بالمشاركة في البطولات.

• المنازعات الإدارية والانتخابية في الاتحادات الرياضية.

مزايا التحكيم الرياضي:

• السرعة في الفصل بالمنازعات.

• التخصص لكون المحكمين خبراء في القانون والرياضة.

• السرية لحماية بيانات الأطراف.

• المرونة وبساطة الإجراءات.

• حرية اختيار المحكمين بما يعزز شعور الأطراف بالرضا عن العملية التحكيمية.

خاتمة

يتضح مما سبق أن الوساطة والتحكيم لم يعودا مجرد آليات بديلة لتسوية المنازعات الرياضية، بل أصبحا ركيزة أساسية لتحقيق العدالة الرياضية، إذ توفر الوساطة حلولاً مبتكرة وودية، بينما يضمن التحكيم الفصل بقرارات ملزمة تحظى بقوة التنفيذ. ومع ذلك، يبقى المجال بحاجة إلى تطوير مؤسسي وتشريعي مستمر لمواكبة طبيعة النزاعات الرياضية الحديثة.

 

زر الذهاب إلى الأعلى