
كتب: خالد جادالله
من منصة العشرة أمتار إلى سماء المجد تشن يوشي والرحلة التي لا تنتهي نحو الكمال و حين تُصبح القفزة في الهواء أكثر من مجرد رياضة، وتتحوّل لحظة السقوط إلى رحلة صعود داخلي هناك تبدأ الحكاية.
في عالم تتغيّر فيه الأرقام والنتائج كل يوم، تبقى بعض القصص خالدة لأنها ببساطة ليست عن الفوز، بل عن التحوّل. قصة تشن يوشي، البطلة الأولمبية التي تُحلّق من ارتفاع عشرة أمتار، ليست مجرد مسيرة رياضية من المجد إلى المجد، بل هي قصة إنسانية عن الصبر، والتحوّل، وولادة الذات من جديد، في كل قفزة، في كل سقوط، في كل عودة.
تشن يوشي، الشابة التي لم تتجاوز التاسعة عشرة ليست فقط واحدة من ألمع نجوم الغطس العالمي بل أصبحت اليوم أيقونة للانضباط العقلي والإصرار النفسي والقدرة على تجاوز كل ما يبدو مستحيلاً وبينما تحتفظ بابتسامتها الطفولية تخفي وراءها عقلًا رياضيًا حادًا وجسدًا خاض آلاف الساعات من التدريب المؤلم في سبيل لحظة واحدة لحظة الكمال
من ذهب باريس إلى ذهب الذات
بعد أن اعتلت منصة التتويج في أولمبياد باريس حيث حصدت ذهبية وفضية لا تُنسى، لم تتوقف تشن لتحتفل بل فعلت ما لا يفعله كثيرون و قرّرت أن تنسى كل ما سبق عليك أن تبدأ من الصفر مجددًا تقول تشن وكأن القمة ليست إلا بداية جديدة للطريق هكذا اختارت أن تُعيد برمجة عقلها الرياضي وتغسل روحها من ضغط الإنجازات وتغوص من جديد في العمق ، هذه المرة داخل ذاتها
الفنّ الخفي للغطس عندما يتحوّل الجسد إلى قصيدة
الغطس ليس مجرد حركة إنه نحت في الهواء، إنه رسم بالعضلات إنه موسيقى لا تُسمع ولكن تُرى هكذا تعبّر تشن عن فلسفتها الخاصة في هذه الرياضة المعقّدة لم تعد تتدرب فقط من أجل الفوز بل لتخلق لحظة فنية خالصة دقيقة إلى حد الهوس دقيقة بمقدار أجزاء من الثانية وزوايا لا تُقاس إلا بالحدس
تمرّن نفس الغطسة مئات المرات كل مرة تُعيدها، لا كأنها تُكرّرها، بل كأنها تعيد تشكيلها، تنقّحها و تُنقّيها وكما ينقش النحّات منحوتته من الصخر تنقش تشن قفزتها من الألم والانضباط
حين يتحول التدريب من واجب إلى شغف
تقول تشن في البداية كنت أتدرّب لأن المدرب طلب ذلك و الآن أتدرّب لأنني لا أحتمل أن أكون أقل مما أستطيع وهنا تكمن نقطة التحوّل الكبرى من الطاعة إلى القيادة الذاتية و لم تعد مجرد لاعبة بل أصبحت معمارية مهاراتها ومهندسة نجاحها وراوية قصة صعودها
ذهب بكين وووهان ليس فقط ميداليات بل رسائل صامتة
في عام 2025، حين اعتلى صوت المنافسة العالمية ردّت تشن بهدوء، ولكن بلغة لا تُخطئها عين ثلاث ذهبيات في كأس العالم للغطس في بكين، أداء خارق تجاوز حاجز الـ431 نقطة، لقب أفضل غطّاسة في العالم ثم انتصار جديد في بطولة الصين الوطنية
لكن الأهم من كل ذلك هو أن ميدالياتها لم تعد شهادات إنجاز بل رسائل تقول للعالم أنا هنا لا فقط لأنني الأفضل بل لأنني الأصدق مع نفسي
ما بعد الغطس العدسة التي ترى أكثر مما يُقال
بعيدًا عن البرك الزرقاء بدأت تشن تكتشف العالم من خلال عدسة الكاميرا والتصوير أصبح ملاذًا آخر فنًا صامتًا يُشبه الغطس التقاط لحظة مثالية صامتة دقيقة لا تتكرر وهي تقول في الغطس أخلق لحظة مثالية بجسدي في التصوير أحتفظ بها بعد أن تمر
إلى حيث لا تُقاس القفزات بالأمتار
تشن يوشي ليست فقط بطلة منصة إنها بطلة التجدّد بطلة إعادة الابتكار بطلة ذلك الصوت الداخلي الذي يقول ابدأ من جديد كن أفضل لا لأجل أحد بل لأنك تستطيع وفي عالم تملأه الضوضاء، تبقى قفزة واحدة، صامتة رشيقة و قوية هي كل ما نحتاجه لنفهم أن الكمال لا يُطلب بل يُصنع.