عبد العزيز سلام يكتب : أصوات جديدة في عالم متعدد الأقطاب.. هل يغيّر التوازن الدولي معادلة فلسطين؟
بكين .. بقلم: عبدالعزيز سلام الإعلامي بالتلفزيون الصيني
يعيش العالم اليوم واحدة من أعقد مراحل الصراع الفلسطيني–الإسرائيلي، حيث تتواصل الحرب في غزة وتتسع دائرة الاستيطان في الضفة الغربية، فيما يزداد الثمن الإنساني كارثية يوماً بعد يوم. وسط هذا المشهد المأزوم، جاء الموقف الذي عبّر عنه وزير الخارجية الصيني وانغ يي ليطرح ثلاثية أساسية يمكن أن تشكّل منطلقاً لمقاربة أكثر عدلاً: وقف فوري لإطلاق النار، احترام مبدأ “الفلسطينيون يحكمون فلسطين”، والتمسك بحل الدولتين دون تراجع.
هذه النقاط الثلاث، رغم بساطتها، تعكس وعياً بالمسألة الجوهرية: أن السلام لا يتحقق عبر القوة، وأن أي تسوية مستدامة يجب أن تقوم على العدالة والاعتراف المتبادل بالحقوق.
المأساة الإنسانية… أولوية عاجلة
منذ اندلاع الجولة الأخيرة من الصراع، تكشّف حجم المأساة الإنسانية غير المسبوقة. آلاف القتلى والجرحى، ملايين النازحين، وانهيار البنى التحتية الصحية والتعليمية. هنا، يصبح الحديث عن وقف إطلاق النار ليس مجرد مطلب سياسي، بل ضرورة إنسانية ملحّة لإنقاذ ما تبقى من مقومات الحياة.
الرسالة التي يوجّهها وانغ يي في هذا السياق تتقاطع مع نداءات المنظمات الإنسانية الدولية التي طالبت مراراً بوقف القتال، لكنها تأتي من موقع دولة كبرى قادرة على الضغط والتأثير في مسار الأحداث.
السيادة والحق في تقرير المصير
المبدأ الثاني الذي شدّد عليه وانغ يي هو أن غزة والضفة الغربية أرض فلسطينية لا تقبل المساومة، وأن “الفلسطينيون يحكمون فلسطين”. هذا المبدأ يعيد القضية إلى أساسها الأول: الصراع ليس مجرد خلاف حدودي أو نزاع أمني، بل قضية شعب يسعى إلى ممارسة حقه في تقرير مصيره على أرضه التاريخية.
التمسك بهذا المبدأ هو في الحقيقة رفض لمحاولات الالتفاف على جوهر الصراع، سواء عبر مشاريع “الحكم الذاتي المحدود” أو ترتيبات أمنية مؤقتة، لأن أي حلول تتجاهل حق السيادة الكاملة للفلسطينيين لن تؤدي إلا إلى إعادة إنتاج النزاع.
حل الدولتين… خيار وحيد أم نافذة ضيقة؟
منذ عقود يُطرح “حل الدولتين” باعتباره التسوية المقبولة دولياً. لكن ما يثير القلق اليوم هو أن هذا الحل بات يتآكل بفعل سياسات الاستيطان والتقسيم الجغرافي المتواصل للضفة الغربية. لذلك، حين يصرّ وانغ يي على أن حل الدولتين “لا بديل عنه”، فهو في الواقع يوجّه تحذيراً مبطناً من ضياع آخر فرصة لإنقاذ هذا المسار.
المجتمع الدولي هنا مطالب ليس فقط بتكرار الشعارات، بل بالتحرك العملي لوقف أي خطوات أحادية تجهض إمكانية إقامة دولة فلسطينية قابلة للحياة.
القانون الدولي ومعايير مزدوجة
أحد أبرز ما يثير الغضب لدى الشارع العربي هو ازدواجية المعايير في التعامل مع النزاعات الدولية. فما يُعتبر انتهاكاً صارخاً للقانون الدولي في مكان ما، يتم التغاضي عنه في فلسطين. الموقف الذي طرحه وزير الخارجية الصيني يعيد التذكير بهذه الإشكالية: لا يمكن أن تكون هناك “قواعد خاصة” تفرضها قوة على الآخرين.
إن استعادة الاعتبار للقانون الدولي هي مسؤولية جماعية، لأن تآكل هذه المرجعية يعني فتح الباب أمام فوضى عالمية أوسع.
دور المجتمع الدولي… اختبار مصداقية
القضية الفلسطينية تمثل اليوم اختباراً لمصداقية النظام الدولي. فإما أن يثبت أن قرارات الأمم المتحدة ليست مجرد نصوص بلا أثر، أو يكرّس صورة نظام عاجز تحكمه المصالح الضيقة. وهنا، فإن أي دعوة جادة لوقف الحرب والتمسك بالحقوق الفلسطينية هي فرصة لإعادة بناء الثقة في العدالة الدولية.
منظمة الأمم المتحدة، ومجلس الأمن تحديداً، مطالبان بتحمّل مسؤوليتهما. كما أن الدول ذات النفوذ الخاص على إسرائيل مطالبة بالتوقف عن الاكتفاء بالتصريحات، والانتقال إلى ممارسة ضغط حقيقي لوقف الانتهاكات.
العدالة كشرط للسلام
المقاربة التي طُرحت في بكين قد لا تحمل حلولاً سحرية، لكنها تضع الأصبع على جوهر المشكلة: لا أمن بلا عدالة، ولا سلام بلا اعتراف متبادل بالحقوق. الفلسطينيون كما الإسرائيليون يستحقون حياة آمنة وكريمة، لكن هذه الحياة لا يمكن أن تقوم على أنقاض شعب آخر.
القضية الفلسطينية اليوم ليست شأناً إقليمياً فحسب، بل مرآة لمدى التزام العالم بمبادئ العدالة والإنصاف. ومن هنا، فإن كل دعوة صادقة لوقف الحرب، ودعم الحقوق، وإحياء حل الدولتين، يجب أن تُقرأ باعتبارها صرخة إنسانية قبل أن تكون موقفاً سياسياً.




