الرئيسيةمنوعات

علماء الإسلام يُجيزون استخدام «الشريحة الدماغية» والابتكارات الحديثة في عالم الطب لخدمة الإنسانية

علاء المغربى

أجاز عدد من علماء الإسلام استخدام الشريحة الدماغية والابتكارات الطبية الحديثة، مؤكدين أنها تمثل ثورة علمية كبرى يمكن أن تُسهم في خدمة الإنسانية وتسريع علاج المرضى، شريطة الالتزام بالضوابط الشرعية والأخلاقية التي تحفظ كرامة الإنسان وتصون عقله ونفسه.

 

وفي هذا السياق، قال العالم الإسلامي الدكتور عبد الله الثقافي الهندي إن الشريحة الدماغية تُعَدّ من أبرز الابتكارات العلمية في العصر الحديث، إذ تُزرع داخل دماغ الإنسان بهدف تحسين وظائفه العصبية أو معالجة أمراض مستعصية مثل فقدان الذاكرة، والشلل، واضطرابات النطق، وأمراض الجهاز العصبي المعقدة.

 

وأوضح الدكتور الثقافي أن أهمية هذه التقنية تكمن في كونها تفتح آفاقًا جديدة للطب العصبي والذكاء الاصطناعي في خدمة الإنسان، فهي تتيح للمصابين استعادة قدراتهم الحركية أو الذهنية، وتربط الدماغ مباشرة بالأجهزة الذكية، مما يشكّل تحولًا نوعيًا في مجالات العلاج والتعليم والتواصل.

 

وأضاف أن الشريعة الإسلامية تنظر إلى مثل هذه التطورات الطبية من زاوية مقاصدها الكبرى، التي تقوم على حفظ النفس والعقل. فإذا كان استخدام الشريحة الدماغية يتم لغرض علاجي مشروع يهدف إلى إنقاذ حياة الإنسان أو تحسين وظائفه الحيوية، فهو جائز شرعًا، مستندًا إلى القاعدة الفقهية: «الضرورات تبيح المحظورات»، شريطة ألا يترتب عليه ضرر أو كشف لخصوصيات الإنسان.

 

وأشار إلى أن الفقهاء القدامى تناولوا مسائل مشابهة في إطار علاج الأمراض المستعصية والتداوي بالأدوات الحديثة، حيث قرروا أن كل وسيلة علاجية نافعة يغلب على الظن نفعها ولا تتضمن محرّمًا صريحًا، فهي جائزة، مستدلين بحديث النبي ﷺ:

«تداووا عباد الله، فإن الله لم يضع داءً إلا وضع له دواء».

 

وبيّن الدكتور الثقافي أن قاعدة «لا ضرر ولا ضرار» تظلّ الأساس في تقويم مشروعية استخدام هذه التقنية، فمتى ثبت أن الشريحة الدماغية تسبب أضرارًا جسيمة أو تؤثر على إرادة الإنسان ووعيه، فإنها تُمنع شرعًا، لأن حفظ العقل مقصد شرعي عظيم لا يجوز المساس به.

 

وأكد أن العلماء أجازوا سابقًا التداوي بوسائل مختلفة مثل الكي وقطع العروق وزراعة الأعضاء عند الضرورة، وذكر أن النبي ﷺ أذن لأُبيّ بن كعب رضي الله عنه بالعلاج الجراحي بقطع العرق، كما أقرّ لعَرفجة بن أسعد أن يتخذ أنفًا من ذهب بعد أن فقد أنفه في الحرب. وهذه السوابق تُبيّن أن التداوي بالوسائل الحديثة جائز إذا تحقق به نفع معتبر.

 

وأشار أيضًا إلى أن الفقهاء المعاصرين كالنووي والعز بن عبد السلام والقرافي وابن قدامة والكاساني أجمعوا على أن التداوي مشروع، بل قد يكون واجبًا إذا كان في تركه خطر على النفس، وعليه فإن زرع الشريحة الدماغية يُقاس على ذلك، فيكون جائزًا عند الحاجة، ومندوبًا أو واجبًا في حالات الضرورة.

 

لكن الدكتور الثقافي حذّر من استخدام هذه الابتكارات في غير ما شُرعت له، مثل التحكم في عقول الناس أو زرع أفكار غير مشروعة أو المساس بحرية الإرادة الإنسانية، مؤكدًا أن درء المفاسد مقدم على جلب المصالح، وأن أي استخدام خارج الإطار العلاجي يُعد محرّمًا ومخالفًا لمقاصد الشريعة.

 

وفي سياق متصل، نقلت تقارير إعلامية عن شركة نيورالينك (Neuralink) التي أسسها الملياردير الأمريكي إيلون ماسك نجاح زراعة شريحة دماغية في ثلاثة أشخاص حتى الآن، مشيرة إلى أن الشركة تخطط لزراعة هذه الشرائح في أكثر من 20 إلى 30 شخصًا خلال عام 2025. وتهدف هذه التقنية إلى مساعدة المصابين بالشلل أو الأمراض العصبية الخطيرة على التحكم في الأجهزة الإلكترونية باستخدام أفكارهم فقط.

 

وفي أغسطس 2024، أعلنت الشركة أن أحد المشاركين في التجارب تمكن من تشكيل صور ثلاثية الأبعاد بمجرد التفكير، كما نجحت أول عملية زرع لإنسان مشلول تمامًا في يناير من العام نفسه.

 

واختتم الدكتور عبد الله الثقافي تصريحه مؤكدًا أن الإسلام لا يعارض العلم ولا يقف ضد الابتكار، بل يشجع على البحث العلمي والتطوير ما دام في خدمة الإنسان، وقال:

 

> «كل ما فيه نفع للإنسان دون ضرر، وكل ما يُسهم في حفظ النفس والعقل ويُعيد للمرضى قدرتهم على الحياة الكريمة، فهو مشروع ومأذون به شرعًا، لأن رحمة الإسلام تشمل العلم والعلاج معًا».

 

يذكر أن الشريحة الدماغية — رغم ما تثيره من جدل — تُعد من النوازل الطبية التي أجازها علماء الإسلام في إطار الاستخدام العلاجي بضوابط شرعية صارمة، لتظلّ التكنولوجيا الحديثة في خدمة الإنسان لا ضده، وفي سبيل الشفاء لا السيطرة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى