
أيمن عامر
هناك، في قلب القاهرة وامام دار الأوبرا المصرية، يقف متحف محمود مختار كعاشقٍ قديم يروي على مسامع المدينة قصة فنٍ قاوم النسيان… وحَفَرَ ملامح مصر في الحجر.
منذ افتتاحه عام 1962، لم يكن المتحف مجرد مبنى، بل مقصدًا للجمال والإبداع ، ونافذة تطلّ من خلالها روح مختار على جمهور يأتيه من كل الأزمنة.
إنه المكان الذي يحتضن 175 عملاً من أعماله، وأدواته التي لامست الكتلة الصمّاء لتحوّلها إلى حياة، وصورًا ووثائق وجوائز تشهد على تاريخ رجلٍ أعاد للنحت المصري اسمه وكرامته بعد قرون من الصمت.
كان يبحث عن مصر في كل ضربة إزميل… في كل انحناءة كتف… في كل نظرة فلاحة تحمل جرة الماء على رأسها، تمضي بثبات كأنها تمشي فوق تاريخ بأكمله.
من ريف مصر جاء الإلهام، ومن قلب مختار خرجت لغة تشكيلية ناعمة وقوية، تتأرجح بين رهافة العاطفة وصلابة الهوية.
وتقف منحوتة “على ضفاف النيل” شاهدة على ذلك الانتماء العميق… ليست مجرد فلاحة، بل امرأة تحمل ذاكرة وطن، وتحرس حلم الاستقلال في ثلاثينياتٍ كان فيها النيل نفسه يترقّب مستقبل بلاده.
لم يكن مختار ينحت أجسادًا… كان ينحت حكاية مصر، ويحوّل الريف إلى رمز، والفلاحة إلى وطنٍ يمشي بين الناس.
ندعوكم لزيارة هذا المتحف الفريد التابع لقطاع الفنون التشكيلية بوزارة الثقافة المصرية والتعرّف عن قرب على اعمال المثال العظيم محمود مختار ضمن مبادرة “فرحانين بالمتحف الكبير… ولسه متاحف مصر كتير” التي تُطلقها الوزارة ، كما نأمل مشاركتكم لنا في دعم والتعريف بهذا الصرح الثقافي العريق، إيمانًا منا بأن الحفاظ على تراثنا والترويج له هو جزء من عزة الهوية المصرية التي نفخر بها جميعًا.




