محمد أبو طالب يكتب : لحظة الحقيقة: حين انحاز الرئيس للإصلاح لا للصمت

بقلم : محمد أبو طالب
في لحظة سياسية فارقة تشبه الضربة الحاسمة على طاولة ممتلئة بالملفات المؤجلة، جاء بيان الرئيس عبد الفتاح السيسي بطلب مراجعة نتائج المرحلة الأولى من الانتخابات ليعيد ترتيب المشهد من أساسه، ويضع الدولة أمام مسؤولية لا يمكن الهروب منها. لم يكن البيان إجراءً بروتوكوليًا أو خطوة شكلية تُستخدم لامتصاص الغضب، بل كان إعلانًا واضحًا بأن السلطة قررت هذه المرة أن تواجه الحقيقة بدلًا من الدوران حولها، وأن مصداقية الدولة لا تُحمى بالصمت بل بالشفافية والمراجعة الجادة.
إشادة لا مجاملة… موقف المعارضة الوطنية
بالنسبة لي كأحد أبناء المعارضة الوطنية، ما قدمه الرئيس يستحق الإشادة لا التجميل. فالمعارضة الحقيقية لا ترفع لافتة الرفض من أجل الرفض، ولا تتردد في الاعتراف بالحق إذا صدر من جهة تختلف معها سياسيًا. نحن نقف حيث يقف المبدأ، ونسير مع ما يخدم الناس، ونؤيد كل ما يعيد ثقة المواطن في السياسة ومؤسساتها.
والبيان الرئاسي اليوم كان خطوة جريئة تؤكد أن الدولة وضعت أذنها على نبض الشارع، وتعاملت مع رسائله بجدية كافية لفتح باب إصلاح حقيقي طال انتظاره.
إصلاح لا يُبنى بالشعارات
هذه اللحظة لا يمكن قراءتها كإجراء عابر، فالإصلاح السياسي لا يبدأ بالبيانات المنمقة، بل بالاعتراف بأن المسار السياسي في السنوات الأخيرة احتاج إلى مراجعة عميقة، وأن بعض المشاهد خرجت عن المسار الطبيعي. وعندما يعلن رأس الدولة بنفسه ضرورة مراجعة النتائج، فهو يعترف بأن هناك مناطق تحتاج إلى تصويب، وأن شعار “كل شيء يسير كما يجب” لم يعد مقنعًا للناس ولا قادرًا على احتواء غضبهم المكتوم.
إنها خطوة تكسر الجمود الذي غلّف الحياة السياسية لسنوات، وتعيد الاعتبار لفكرة المشاركة الشعبية التي كادت تتحول إلى مجرد ديكور في مشهد مكتوب مسبقًا.
اختلال تمثيل ذوي الإعاقة… نموذج لخلل أوسع
وفي سياق الحديث عن الإصلاح، لا يمكن تجاهل ما جرى في تمثيل ذوي الإعاقة خلال الدورتين البرلمانيتين الأخيرتين. فقد تحولت المقاعد المخصصة لهذه الفئة – التي يفترض أن تجسد التنوع الاجتماعي – إلى تمثيل محصور على النساء فقط.
في انتخابات 2020: سبع سيدات ورجل واحد فقط.
في انتخابات 2025: القائمة كاملة من النساء… دون رجل واحد.
وكأن البرلمان علّق على بابه لافتة غير معلنة تقول: “ممنوع دخول الرجال ذوي الإعاقة”.
الإعاقة ليست قضية تخص النساء وحدهن، ولا يجب أن تُستخدم كأداة لتجميل قوائم سياسية. إنها قضية إنسانية واجتماعية تشمل الجميع، والتمييز هنا لا يقل خطورة عن حرمان أي فئة من حقها في التمثيل.
ولذلك يجب أن يكون هذا الخلل جزءًا من عملية المراجعة والإصلاح، لأن إصلاح السياسة لا يكتمل إذا لم يلامس جذور العدالة في كل تفصيلة من تفاصيل المشهد.
من البيان إلى الفعل… ماذا ينتظر الناس؟
البيان الرئاسي اليوم لا يمكن اعتباره مجرد محاولة لتهدئة الأجواء. إنه رسالة بأن الدولة على استعداد لفتح الملفات وإعادة تقييم الممارسات التي أضرت بثقة الناس. لكن هذه الرسالة لن تكتمل ما لم تُترجم إلى خطوات حقيقية تتجاوز حدود الكلمات:
مراجعة شفافة للنتائج
إصلاح آليات الإشراف
إعادة الاعتبار للتمثيل العادل
وفتح باب سياسي جديد يسمح بمشاركة أوسع
الشعب ينتظر أفعالًا لا أقوالًا، وينتظر من هذا البيان أن يكون بداية لا نهاية.
دور المعارضة: دعم الإصلاح… ورفض التراجع
ومن موقعي في المعارضة الوطنية، أؤكد أننا سنقف مع كل خطوة تُعيد السياسة إلى مسارها الصحيح، ونرفض أي عودة إلى الخلف. فالسياسة ليست صراعًا على مقاعد، بل عقدًا اجتماعيًا لا يكتسب شرعيته إلا حين يشعر الناس بأن أصواتهم مؤثرة، وأن الدولة تحترمهم بما يكفي لتراجع نفسها من أجلهم.
والخطوة التي اتخذها الرئيس يمكن أن تكون بداية لمرحلة جديدة تُبنى على قواعد صريحة: احترام الناس، الاعتراف بالمشكلات، وعدم الخجل من التصحيح.
خاتمة: اللحظة التي كسرَت الصمت
هذه هي لحظة الحقيقة؛ لحظة قررت فيها الدولة أن تنحاز للإصلاح لا للصمت، وأن تختار طريق المستقبل لا طريق المجاملة. وإذا تحول هذا التحرك إلى مسار شامل، ستكون مصر أمام بداية سياسية مختلفة تُكتب بيد شعبها وتُبنى على قاعدة واحدة:
أن الشرعية تُصان فقط حين تكون السياسة صادقة… والناس أولاً.




