مقالات الرأي

مصطفى الرمادي يكتب: صفقة إذعان أم شهادة وفاة للتضامن العربي!

في مشهد سياسي بالغ الرمزية ، حلّ الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ضيفًا على الخليج العربي ، في زيارة خاطفة لكنها كفيلة بإحداث زلزال سياسي و اقتصادي في وجدان كل عربي حر. لم تكن زيارة مجاملة ، ولا حتى جولة بروتوكولية تقليدية ، بل أشبه ما تكون بـ “جولة جباية” عاد منها ترامب محمّلًا بتعهدات وصفقات تتجاوز قيمتها تريليوني دولار من ثلاث دول : السعودية ، قطر ، والإمارات.

السؤال الذي يفرض نفسه بإلحاح : بأي منطق تُسلّم هذه الأموال الطائلة لرئيس دولة أجنبية ، بينما تتداعى أركان أوطان عربية بأكملها ؟!

في مصر ، تتراكم الديون الخارجية بشكل يهدد الأجيال القادمة ، وتئنّ الطبقات الوسطى والفقيرة تحت وطأة أزمة اقتصادية خانقة.

في فلسطين ، تُسحق البيوت فوق رؤوس ساكنيها بفعل آلة الحرب الصهيونية ، و تنتظر الأرواح البريئة يدًا عربية تزيل عنها رماد الحرب.

في سوريا ، رغم كل المآسي ، تلوح فرصة لبعث الحياة تحت قيادة جديدة ، لو وجدت دعمًا عربيًا صادقًا.

في لبنان ، بلد الحضارة والثقافة ، تتآكل الدولة من الداخل ،

و يبحث الشعب عن أبسط مقومات الحياة.

أليست هذه الدول أحق بهذه التريليونات ؟ أليس من الأولى أن تُستثمر في إعادة إعمار ما دمّرته الحروب والمؤامرات ؟

أم أن المال العربي بات رهينة لدى الغرب يُدفع تحت لافتة “التحالف” و “الحماية” ؟!

ما الذي يُرغم قادة الخليج على هذا السخاء المفاجئ ؟

هل هو الخوف من فقدان الحماية الأمريكية ؟ أم أن هناك أثمانًا سياسية تُدفع بصمت ؟ أم أن الأنظمة باتت عاجزة عن قول “لا” لواشنطن ، مهما كانت الإهانة ؟

إن الأخطر من ذلك، أن هذه الأموال لا تذهب فقط إلى خزائن أمريكا ، بل يعود جزء منها لدعم العدو الصهيوني ، عسكريًا واقتصاديًا ، في معادلة عبثية تُسهم فيها أنظمة عربية – عن وعي أو تغافل – في تمويل مَن يقتل أبناء الأمة في فلسطين واليمن وسوريا.

إن ما يحدث ليس مجرد قرار سياسي ، بل سقوط أخلاقي وخيانة للضمير العربي.

الأنظمة التي تسلّم ثروات الأمة في حقائب الصفقات، هي ذاتها التي تتجاهل آلام الشعوب، وتغمض أعينها عن معاناة الأشقاء.

أما التاريخ ، فهو لا ينسى، سيُدوّن أن العرب يومًا، أنفقوا ما يكفي لبناء قارة بأكملها ، لكنهم فضّلوا دفعها لمن يبتزّهم ، ويُسلّح عدوهم ، ويمنّ عليهم بحماية وهمية.

نحن بحاجة إلى مشروع عربي حقيقي ، لا يقوم على الولاءات العابرة، بل على التضامن ، والبناء ، و احترام كرامة الشعوب.

نحتاج إلى إعادة تعريف معنى “الأمن القومي” ، بعيدًا عن ارتهان القرار في واشنطن ، وتقديم ثرواتنا قرابين على موائد الطامعين.

ترامب لن يبقى ، لكن التاريخ سيبقى، وسيذكر من خان ، ومن صمت ، ومن نهض ليسائل ، ويُحاسب ، ويُدافع عن الكرامة العربية في زمن الخضوع الكبير.

زر الذهاب إلى الأعلى