مقالات الرأي

ياسمين فارس تكتب: هل بيت أبي أمان؟

في زمن تتسارع فيه وتيرة الحياة، وتزداد فيه الضغوط النفسية والاجتماعية، أصبحت المنازل -التي يُفترض أن تكون ملاذًا آمنًا -مصدر قلق وتوتر لدى الكثير من الأبناء. تكررت الشكاوى وتنوعت صيغها، لكن الجوهر واحد:، “لا أشعر بالأمان في منزلي”، “الخلافات أصبحت يومية.”،”أفكر في مغادرة البيت.”
هذه العبارات، وغيرها كثير، تُعبّر عن أزمة صامتة داخل جدران البيوت، سببها في الغالب جفاف العلاقة بين الآباء والأبناء، أو القسوة غير المبررة في أسلوب التربية والمعاملة، سواء كان الابن ذكرًا أو أنثى.
من خلال خبرتي كمعالج نفسي، أؤكد أن المشكلة غالبًا لا تكمن في انعدام الحب، بل في سوء التعبير عنه، فالآباء والأمهات يحبون أبناءهم بلا شك، ولكن طريقة التعبير عن هذا الحب قد تكون قاسية، متصلّبة، أو مشروطة، ما يؤدي إلى خلق فجوة عاطفية بين الطرفين.
ولعل السؤال الأهم الذي يجب أن يطرحه كل والد على نفسه، “هل أبنائي يشعرون بأني مصدر أمان لهم؟، “متى كانت آخر مرة عبّرت فيها عن حبي؟”، “هل احتضنت ابني أو ابنتي مؤخرًا؟”.
للأسف، كثير من الآباء يظنون أن الحنان مرتبط فقط بمرحلة الطفولة المبكرة، وأن “الولد لما يكبر يبقى راجل”، وبالتالي لا يحتاج للمشاعر أو الاحتواء. ولكن الحقيقة أن الاحتياج العاطفي لا يسقط بالتقادم. فكل إنسان، مهما بلغ من العمر، يحتاج إلى كلمة طيبة، حضن دافئ، أو نظرة محبة.
وفي السياق نفسه، القسوة لا تصنع رجالًا، ولا تُربي فتيات قويات، بل تترك آثارًا نفسية قد تظهر في صورة اضطرابات سلوكية، اكتئاب، قلق دائم، أو حتى رغبة في الهروب والانفصال عن العائلة. والمقارنات المستمرة، الانتقاد الدائم، والغياب العاطفي، كلّها أدوات تؤسس لمناخ منزلي غير آمن.
في النهاية، الأب أو الأم قد يكونان الدافع الأكبر وراء قوة الأبناء… أو جُرحهم الأكبر الذي يرافقهم طوال العمر، وتبقى الرسالة الأهم: ابدأ من اليوم، لا تنتظر مناسبة، ولا تبحث عن توقيت “مثالي”، كلمة حنونة، حضن غير متوقَّع، أو حتى ابتسامة صادقة، قد تكون كافية لتعيد بناء الجسور، وتمنح بيتك المعنى الحقيقي للأمان؛ لأن البيت ليس فقط جدرانًا وسقفًا، البيت الحقيقي هو، أمان، واحتواء، وحب غير مشروط.

زر الذهاب إلى الأعلى