ابوالغيط التكامل الاقتصادي العربى ضرورة ملحة في هذا التوقيت

دعاء زكريا
في كلمة أحمـد أبـو الغيط الأمين العام لجامعة الدول العربية فى الجلسة الافتتاحية للدورة الخامسة للقمة العربية التنموية: الاقتصادية والاجتماعية
قال يطيب لي في البداية أن أتوجه بخالص التهنئة إليكم دولة الرئيس، على تولي العراق رئاسة الدورة الخامسة للقمة العربية التنموية: الاقتصادية والاجتماعية… متمنياً لكم التوفيق والسداد في قيادة دفة العمل التنموي العربي المشترك طوال فترة رئاسة الدورة الخامسة للقمة، والتي تمتد لأربع سنوات قادمة.
كما أتوجه بالتحية والتقدير إلى الجمهورية اللبنانية على رئاستها للدورة الرابعة للقمة، طوال الفترة الماضية، والقيادة الحكيمة لأعمالها.
السيد الرئيس،
إن التطورات العالمية المتسارعة والخطيرة تضيف لأهمية انعقاد هذه القمة في هذا التوقيت… فالاقتصاد العالمي يمر بمرحلة من الاضطراب الشديد … والتجارة الدولية تتعرض لتحديات مستجدة، وأسوار الحماية والانكفاء على الذات ترتفع على نحو غير مسبوق، وغير متوقع.
وأمام هذه التحديات، فإننا نلمس اتجاهاً عالمياً للتكامل الإقليمي عوضاً عن آليات العولمة كما عرفناها في العقود الأخيرة.. وأحسب أن دولنا العربية مطالبة بالتجاوب الفعَّال مع هذه المتغيرات – عبر رؤى جماعية واستراتيجيات مشتركة … وتعزيز التكامل والتنسيق في المجالات الاقتصادية كافة لم يعد رفاهية أو تعظيماً لمكسب محتمل، وإنما ضرورة واجبة للمصلحة العربية في زمن يسوده الاضطراب وانعدام اليقين.. وتتزايد فيه المخاطر والتهديدات.
وفي هذا الإطار، فإنني أود أن أشير على نحو موجز لعدد من الموضوعات والقضايا المهمة التي يتناولها جدول أعمال هذه القمة:
أولاً: قضية “الأمن الغذائي العربي”، التي باتت تشغل أولوية في صُلب الاهتمامات العربية، بل والدولية بشكلٍ عام… فقد أدى تواتر الأحداث العالمية على مدار السنوات الماضية إلى تفاقم حدّة هذه الأزمة، وأظهر جلياً الفجوات الرئيسية في تأمين هذه المنظومة عالمياً… وقد ألقت هذه الأحداث الضوءَ مُجدّداً على أهمية تأمين المخزونِ الغذائي العربي. ومعروضٌ اليوم على قمتكم مشروع استراتيجية عربية شاملة للأمن الغذائي، وذلك لاعتمادها والتوجيه بتنفيذ ما ورد بها من برامج وآليات.
كما تنظر القمة في المبادرة الهامة التي تقدمت بها جمهورية العراق بشأن تحقيق الأمن الغذائي العربي من الحبوب.
ثانياً: المقترح الذي تقدمت به جمهوريةُ العراق حول إنشاء مجلس وزاري متخصص يعمل في نطاق جامعة الدول العربية، ويضم في عضويته السادة وزراء التجارة العرب؛ وهو المقترح الذي يهدف إلى تعزيز وتيسير نُظم التبادل التجاري بين الدول العربية، وذلك في ظل تصاعد التجاذبات بين عدد من الاقتصادات الكُبرى بشنّ حروبٍ تجارية، والتأثيرات المحتملة لذلك على منظومة التبادل التجاري العالمي وكذلك على إمدادات الغذاء والطاقة… إن التحرك العربي في هذا السياق مطلوبٌ وضروري؛ من أجل تنسيق المواقف البينية وتجنيب المنطقة العربية مزيداً من تداعيات السياسات التي تبتعد عن نموذج السوق العالمية المفتوحة.
ثالثاً: مبادرة فخامة الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني – رئيس موريتانيا حول الاقتصاد الأزرق كوسيلة لحل مشكلة الغذاء والطاقة… وهذه المبادرة الهامة تنطلق من رؤية شاملة تهدف إلى بناء مساراتٍ تنموية من خلال تطوير شعبة الاقتصاد الأزرق عن طريق الاستثمار في مُقدّرات البلدان العربية ذات الإمكانات في هذا المجال، وذلك من خلال الاستغلال الأمثل والمستدام بيئياً.
رابعاً: المبادرة التي أطلقتُها تحت عنوان “المبادرة العربية للذكاء الاصطناعي: نحو ريادة تكنولوجية وتنمية مستدامة”، وتهدف إلى الاسهام في جهود تعزيز الريادة العربية في مجالات الذكاء الاصطناعي… عبر تحفيز البحث والتطوير العربي في التقنيات المتقدمة، وتشجيع اتخاذ خطوات ملموسة وفعّالة لدمج الذكاء الاصطناعي في مختلف القطاعات… ولدى اقتناع راسخ بأن غلق الفجوة بين المنطقة العربية والعالم المتقدم في هذا المجال ينبغي أن يكون أولوية عربية ملحة وليس فقط من ضرورات النمو الاقتصادي.
وأضاف إن الأمن القومي العربي كلٌ متكامل لا يتحقق إلا باجتماع عناصر القوة مثل الأمن الغذائي والصحي والتعليمي والأمن المائي… وأمن الطاقة والأمن السيبراني والأمن المجتمعي.
والحقيقة أن الجامعة العربية – كما تصورها الآباء المؤسسون منذ ثمانين عاماً – نهضت على أساس كونها جهازاً للتنسيق وتعزيز الترابط بين الدول العربية في مختلف هذه الجوانب… وأغتنم هذه الفرصة لأؤكد مجدداً على ضرورة تعزيز إمكانيات هذا الجهاز المهم – وهي كثيرة ومتنوعة – في المجالات الاقتصادية والاجتماعية … وإعطاء الفرصة للوكالات العربية المتخصصة لتضطلع بدور فاعل ومؤثر في جهود التنمية والتحديث في منطقتنا… إن الاستراتيجيات القائمة بالفعل كثيرة… الاتفاقات الجماعية حاضرة وجاهزة.. والخبرات العربية موجودة ومتوفرة… والارادة الجماعية والعزم المشترك هو ما يمكنه تحويل الخطط إلى واقع.. وبرامج العمل إلى منجزٍ ملموس.
واستطرد إن مجتمعاتنا العربية من أكثر المجتمعات شباباً في العالم.. ومن الضروري اغتنام تلك الفرصة الديموغرافية في العقود القادمة قبل أن تتحول الفرصة إلى عبء كما نشهد في مجتمعاتٍ أخرى… ولا سبيل أمامنا سوى تعليمٍ يواكب العصر وبرامج تدريب تحويلي ومستمر تجاري متطلبات التوظيف.
إن منطقتنا تقف في لحظة صعبة… تتعرض فلسطين فيها لعدوان وحشي… وتتعرض دولٌ عربية لمخاطر تهدد كيانها وتستنزف إمكاناتها… وأمام هذه التحديات فإننا نسعى لتأمين المستقبل لأبنائنا… حتى لا يقعوا فريسةً لقوى اليأس والظلام… إنها معركتنا الكبرى من أجل البناء.. من أجل الخير والنماء.. ولن ننتصر فيها سوى بحشد إمكانات جماعية… فالهدف واحد والهم واحد.. وكلمتنا دوماً موحدة ومجتمعة.