الدكتور عادل عامر يكتب : سحب الدكتوراه الفخرية

بقلم : الدكتور عادل عامر
طبقاً للمادة الخامسة من لائحة منح الدكتوراه الفخرية في جامعة الشارقة، الصادرة بقرار رئيس جامعة الشارقة رقم 13 لسنة 2020م، «للجامعة الحق بسحب شهادة الدكتوراه الفخرية عن الشخصية التي مُنحت لها حال قيامها بأي عمل يُخالف القيم التي مُنحت على أساسها الشهادة.»
والواقع أن بعض الحالات التي تم فيها تكريم الشخص بمنحه الدكتوراه الفخرية أو بإعلان فوزه بإحدى الجوائز الدولية المرموقة قد أثارت لغطاً كبيراً بعد ذلك، بسبب صدور تصرفات عن هذا الشخص تتنافى مع الأساس الذي تم بناءً عليه التكريم. ومع ذلك، فقد تباينت مواقف الجامعات المانحة للدكتوراه الفخرية أو الجهات المانحة للجوائز.
وبشكل عام، يمكن القول إن سحب الدكتوراه الفخرية من الحاصلين عليها إذا صدر عنهم أي عمل أو سلوك يخالف القيم التي منحت على أساسها الشهادة هو أمر متعارف عليه، ويشكل عرفاً معمولًا به في معظم جامعات العالم. ومع ذلك، فإن بعض الجامعات قد رفضت سحب الدكتوراه الفخرية. وسنحاول إلقاء الضوء على الممارسات المختلفة للجامعات في هذا الشأن، سواء تلك التي قامت بسحب الدكتوراه الفخرية أو التي رفضت سحبها، وذلك على النحو التالي:
سحب الدكتوراه الفخرية الممنوحة من جامعة كارلتون الكندية لزعيمة ميانمار
في العشرين من شهر أكتوبر 2018م، قامت جامعة كارلتون الكندية بسحب الدكتوراه الفخرية التي كانت قد منحتها في سنة 2011م لزعيمة ميانمار، أونج سان سوكي. وقالت الجامعة ومقرها بالعاصمة أوتاوا في بيان لها إن مجلس الجامعة صوت بالإجماع على سحب الدكتوراه الفخرية من زعيمة ميانمار، لفشلها في حماية مسلمي الروهينجا. وأتي قرار الجامعة بعد أن صوت البرلمان الكندي وبالإجماع أيضاً على تجريد أونج سان سوكي من جنسيتها الكندية الفخرية، وتأكيده بأنها متواطئة في حملة القمع الوحشية على مسلمي الروهينجا. وكانت بعثة تقصي حقائق تابعة للأمم المتحدة قد خلصت في الآونة الأخيرة إلى أن جيش ميانمار يرتكب إبادة جماعية ضد الأقلية المسلمة والأقليات العرقية الأخرى وأن سوكي قد فشلت في واجبها في حماية مواطنيها.
وما يصدق على الدكتوراه الفخرية في هذا الصدد يصدق كذلك على أوجه التكريم والتشريف الأخرى، مثل الجنسية الفخرية والجوائز. فعلى سبيل المثال، عمدت مدينة أكسفورد البريطانية إلى تجريد أون سان سو تشي من جائزة حرية المدينة، بعد أن صوَّت مجلس المدينة بالإجماع على سحب تلك الجائزة منها، خلال الأسبوع الأول من شهر تشرين الأول )أكتوبر( 2017م، مُعللًا ذلك ببواعث قلق عميقة بشأن مُعاملة الروهينجا المسلمين تحت حكمها. وقالت ماري كلاركسون، العضو بالمجلس المحلي للمدينة وبحزب العمال، أن سمعة المدينة «تلطخت بسبب تكريم من يغضون البصر عن العنف.» يجدر بالذكر أن أون سان سو تشي تلقت دراستها الجامعة في المدينة سالفة الذكر، وحصلت على جائزتها المذكورة بسبب نشاطاتها السابقة في مجال حقوق الإنسان. وفي يوم السبت الموافق الثلاثين من شهر سبتمبر 2017م، وفي بيان صادر عنها، أعلنت جامعة أكسفورد، حيث درست زعيمة ميانمار، أونغ سان سو تشي، أنها أزالت صورة لها، وذلك في قرار اتخذ على إثر الانتقادات الواسعة بسبب تعاملها مع أزمة الروهينجا. وقد قامت إدارة الكلية بوضع لوحة لزهرة يابانية مقدمة من الفنان الياباني يوشيهيرو تاكادا بدلًا من لوحة زعيمة ميانمار. وتأتي إزالة لوحة سوتشي قبل أيام قليلة من بدء العام الدراسي، ما أثار تساؤلات عما إذا كان القرار مرتبطا بعمليات التطهير العرقي ضد مسلمي الروهينجا التي تحدث في ميانمار. وجدير بالذكر أن زعيمة ميانمار تخرجت من كلية سانت هيوز بشهادة في الفلسفة والسياسة والاقتصاد عام 19t7م، قبل أن تحصل على درجة الماجستير في السياسة سنة 19t8م. وقالت الكلية في بيان: «تلقينا لوحة جديدة في وقت سابق هذا الشهر وسوف تعرض لفترة في المدخل الرئيسي»، وأضاف البيان: «في هذه الأثناء تم نقل لوحة أونغ سان سو تشي إلى موقع آمن.» ولم تذكر الجامعة ما إذا كان قرار إزالة اللوحة مرتبطاً بالأزمة الراهنة في ولاية راخين بغرب ميانمار، التي تسببت بنزوح نحو نصف مليون من الروهينجا من ميانمار البوذية في غالبيتها إلى بنجلاديش المجاورة. وتأتي إزالة اللوحة التي رسمها الفنان الصيني شين يانينغ عام 1997م، قبيل بدء تلاميذ جدد حصصهم في الجامعة. واللوحة المذكورة كانت ملكا لزوج سو تشي، الأكاديمي في أكسفورد، مايكل آريس، وورثتها الجامعة بعد موته في سنة 1999م.
سحب الدكتوراه الفخرية من الرئيس الأمريكي دونالد ترامب
سحبت الدكتوراه الفخرية مرتين من الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب؛ الأولى، عام 2015، عندما سحبت منه اسكتلندا لقب سفير الأعمال والدكتوراه الفخرية، وسط ردود فعل مستنكرة لتصريحاته ضد المسلمين، ودعواته لمنعهم من دخول الولايات المتحدة، حينما كان وقتها مرشحاً جمهورياً للرئاسة. أما المرة الثانية، عندما ألغت جامعة ليهاي في ولاية بنسلفانيا الأمريكية، درجة الدكتوراه الفخرية التي منحتها للرئيس ترامب منذ أكثر من ثلاثين عاما، وذلك بعد يومين من اقتحام المئات من أنصار ترامب مبنى الكابيتول، وعقب أعمال العنف والاشتباك بينهم وقوات الشرطة.
سحب الدكتوراه الفخرية الممنوحة من جامعة حلب للرئيس التركي أردوغان
في سنة 2013م، وبعد مرور أربع سنوات على منحه الدكتوراه الفخرية في العلاقات الدولية في سنة 2009، قرر مجلس جامعة حلب سحب شهادة الدكتوراه الفخرية، التي منحها لرئيس حكومة تركيا آنذاك رجب طيب أردوغان، وذلك استجابة لرغبة مجالس الجامعات السورية والأوساط الأكاديمية والطلابية بسحبها، بسبب تآمره على الشعب السوري وممارساته التعسفية بحق المحتجين الأتراك، على حد وصف الجامعة.
سحب الدكتوراه الفخرية الممنوحة من جامعة الخرطوم للرئيس معمر القذافي
إبان ثورات الربيع العربي، وتحديدا في مارس 2011م، أدانت جامعة الخرطوم، أعمال العنف التي
ارتكبها النظام الليبي بحق المدنيين، معلنة سحبها شهادة الدكتوراه الفخرية التي منحتها للزعيم الليبي معمر القذافي، في عام 199م.
رفض جامعة لوزان سحب الدكتوراه الفخرية الممنوحة للديكتاتور الإيطالي موسوليني في العام 2022م، رفضت جامعة لوزان السويسرية سحب درجة الدكتوراه الفخرية التي منحتها في ثلاثينيات القرن العشرين للديكتاتور الإيطالي بينيتو موسوليني.
وقالت جامعة لوزان إنها لا تريد إعطاء الانطباع بأنها تسعى إلى إنكار أو محو الماضي. وخلصت ال امرجعة إلى أن تكريم موسوليني كان «خطأ فادحا»، لكن يجب أن تظل الجائزة سارية كتحذير دائم ضد «الانجراف الأيديولوجي.» وقال رئيس الجامعة إن قيمها مناقضة للفاشية. وكرمت جامعة لوزان الزعيم الفاشي في عام 1937م، «لأنه تخيل وحقق في وطنه منظمة اجتماعية …. ستترك بصمة عميقة في التاريخ.» وطُلب من الجامعة عدة مرات سحب التكريم المثير للجدل لموسوليني الذي كان حليفاً لأدولف هتلر خلال الحرب العالمية الثانية. وخلصت لجنة من الخبراء مكلفة بفحص القضية إلى أن قرار منح الدكتوراه «شكل خطأ جسيما من جانب السلطات الأكاديمية والسياسية في ذلك الوقت.» وقالت اللجنة في تقرير نشر الجمعة «هذا اللقب يشكل شرعية لنظام مجرم وأيديولوجيته.» لكن الجامعة قالت في بيان يوم الجمعة «بدلا من إنكار أو محو هذه الحادثة التي هي جزء من تاريخها، تريد الجامعة أن تكون بمثابة تحذير دائم.)»
رفض مؤسسة نوبل سحب الجائزة من زعيمة ميانمار
في الرابع من شهر سبتمبر 2017م، أصدرت المنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة بياناً دعت فيه لجنة جائزة نوبل لسحب جائزتها للسلام من أون سان سو تشي، وجاء في البيان المذكور: «إن ما تقوم به سلطات ميانمار من جرائم بشعة ضد أقلية الروهينجا المسلمة بمعرفة رئيسة وزرائها وتأييدها، عمل يتناقض مع أهداف جائزة نوبل ومع القانون الدولي وحقوق الإنسان»، وأشارت المنظمة من مقرها في مدينة الرباط بالمغرب أن رئيسة وزراء ميانمار فقدت الأهلية للجائزة بسبب دعمها للمجازر ضد المسلمين في بلادها، وطالبت المجتمع الدولي بالتدخل لوقف هذه المجازر.
كذلك، وفي الأسبوع الأول من شهر سبتمبر 2017م، حصدت عريضة تطالب بسحب جائزة نوبل للسلام من أون سان سو تشي أكثر من 300 ألف توقيع جماهيري تطالب فيه اللجنة المنظمة للجائزة بسحب الجائزة منها. وتواجه سو كي انتقادات دولية بعضها من القس ديزموند توتو الحائز على الجائزة لعدم التحرك بما يكفي، لوقف ما تقول الأمم المتحدة إنها عمليات قتل جماعية واغتصاب وحرق للقرى في ولاية راخين. ورداً على هذه الدعوات، وفي السادس من شهر سبتمبر 2017م، أكد رئيس اللجنة النرويجية لجائزة نوبل استحالة سحب جائزة نوبل من أي شخص تسلمها، وذلك وفقاً لوصية ألفريد نوبل، وأن لجنة الجائزة غير مسؤولة عن أفعال أي شخص بعد استلامه للجائزة.( وفي شهر أغسطس/ آب 2018م، قالت لجنة نوبل النرويجية التي تمنح جائزة نوبل للسلام إن قواعدها لا تسمح بسحب الجوائز.
وفي الثاني من شهر أكتوبر 2018م، وفي مقابلة صحفية بمدينة ستوكهولم، قال رئيس مؤسسة نوبل إن بعض تصرفات الزعيمة المدنية لميانمار أونغ سان سو كي «مؤسفة»، لكن لن يتم سحب جائزة نوبل للسلام منها. وفي تصريحات قبل أيام من الإعلان عن اسم الفائز بالجائزة لهذا العام، قال رئيس مؤسسة نوبل إن سحب الجوائز رداً على أحداث وقعت بعد منحها ليس منطقي، لأن هذا يعني أنه يتعين على المحكمين بحث أحقية الفائزين بها بشكل مستمر. وأضاف «نرى كيف تثار التساؤلات كثيراً حول ما تفعله في ميانمار ونحن نساند حقوق الإنسان، إنها أحد قيمنا الأساسية. وبالنسبة لمدى مسؤوليتها عن ذلك فهذا حتما أمر مؤسف للغاية.» وأشار رئيس مؤسسة نوبل إلى أن المؤسسة «لا ترى من المنطقي محاولة سحب الجوائز… سيجعلنا هذا ندخل في مناقشات مستمرة حول الأحقية وفقا لما يفعله الناس بعد ذلك… بعد حصولهم على الجائزة.» وتابع «كان وسيظل هناك فائزون بنوبل يفعلون بعد منحهم الجائزة أموراً لا نقبل بها أو لا نرى أنها التصرف السليم. لا أعتقد أن بوسعنا تفادي هذا.»
وفي الإطار ذاته، قال البروفيسور جير لوندستاد، الذي كان أميناً للجنة نوبل النرويجية في الفترة من 1990 إلى 2014م: «حدث مرات عديدة من قبل أن تعرض الحائزون على الجائزة للانتقاد.» وأوضح أن الجائزة لا تزال قوة دافعة في سبيل الخير حتى إذا تخلى بعض الفائزين فيما بعد عن مُثلها.
وجدير بالذكر أن محققين من الأمم المتحدة أصدروا تقريراً في شهر أغسطس/ آب 2018م يتهم جيش ميانمار بارتكاب عمليات قتل جماعي لمسلمي الروهينجا «بنية الإبادة الجماعية» في عملية أسفرت عن فرار أكثر من سبعمائة ألف لاجئ عبر الحدود إلى دولة بنجلاديش المجاورة. وفي تاريخ صدور هذا التقرير، كانت سو كي التي فازت بجائزة نوبل للسلام عام 1991 بفضل نشاطها في سبيل الديمقراطية تقود حكومة ميانمار، واتهمها التقرير ذاته بأنها لم تستخدم سلطتها «الأدبية» لحماية المدنيين. وتشرف مؤسسة نوبل، ومقرها ستوكهولم، على إدارة كل جوائز نوبل التي تمنحها منظمات مختلفة في السويد والنرويج.
وهكذا، وإزاء تباين الموقف بشأن الأشخاص الذين حصلوا على التكريم ثم صدرت عنهم بعد ذلك سلوكيات تتنافى مع الأساس والسبب الذي تم التكريم بناءً عليه، يبدو من المناسب أن يتدخل المشرع الوطني لتنظيم موضوع الدكتوراه الفخرية، وبحيث ينص صراحة على جواز سحب الدكتوراه الفخرية، وبحيث لا يكون الأمر راجعاً إلى محض إرادة كل جامعة مانحة للدكتوراه الفخرية، وأن يتم وضع آلية محددة لاتخاذ قرار السحب.
حالات أخرى أثارت لغطًا بشأن أساس حصولها على التكريم
شن بعض الحاصلين على جائزة نوبل للسلام حروباً أو أججوا نيرانها بعد الفوز بها، ولكن لم يصل الأمر إلى حد المطالبة بسحب الجائزة منهم. فعلى سبيل المثال، اقتسم وزير الخارجية الأميركي هنري كيسنجر جائزة 1973م مع زعيم فيتنام الشمالية لو دوك ثو عن محاولة ثبت فشلها فيما بعد، لإنهاء الحرب الفيتنامية.
ورفض ثو الجائزة ليصبح حتى الآن الفائز الوحيد الذي رفض تسلمها. وقد انتهت الحرب عام 1975م بسقوط سايجون في أيدي قوات فيتنام الشمالية.
وفي سنة 1982م، وبعد أربع سنوات من اقتسام جائزة نوبل للسلام مع الرئيس المصري الراحل أنور
السادات بفضل اتفاق كامب ديفيد للسلام، أمر رئيس الوزراء الإسرائيلي مناحيم بيجن بغزو لبنان عام 1982م، حيث شهدت عملية الغزو ارتكاب العديد من المجازر الوحشية، ومنها مجزرة صبرا وشاتيلا. وغير بعيد عن الصراع العربي الإسرائيلي، اقتسم الزعيم الفلسطيني الراحل ياسر عرفات جائزة نوبل
للسلام عن العام 1994 مع الزعيمين الإسرائيليين إسحق رابين وشيمون بيريس عن اتفاقات أوسلو التي لم تؤد إلى تسوية الصراع العربي الإسرائيلي إطلاقاً. بل إن إسحاق رابين قد اغتيل على يدي يميني متطرف من القوميين اليهود عام 1995م، وخرج بيريس من منصبه في انتخابات جرت بعد ذلك بثمانية أشهر.
وفي سنة 1991م، وبعد عام واحد من فوزه بجائزة نوبل للسلام عن عام 1990م بسبب دوره في وضع نهاية سلمية للحرب الباردة، أرسل الزعيم السوفيتي السابق، ميخائيل جورباتشوف، جيشه ودباباته لمحاولة منع استقلال دول البلطيق، رغم أنه سمح فيما بعد باستقلالها. وعندما فاز الرئيس الأميركي السابق ابارك أوباما بالجائزة عام 2009م، بعد شهور فحسب من توليه منصبه، أبدى هو نفسه دهشته. وبحلول الوقت الذي وصل فيه إلى أوسلو لتسلم الجائزة في نهاية العام كان قد أمر برفع عدد القوات الأميركية في أفغانستان لثلاثة أمثالها. وفي خطابه الذي ألقاه بمناسبة تسلمه الجائزة،
قال أوباما: «سأكون مقصراً إذا لم أعترف بالجدل البالغ الذي ولده قراركم الكريم. فأنا مسؤول عن نشر آلاف من الشباب الأميركيين للقتال في أرض بعيدة. بعضهم سيقتل والبعض الآخر سيُقتل. ولذا فأنا موجود هنا ولدي إحساس شديد بثمن الصراع المسلح.»
الدكتور عادل عامر
دكتور القانون العام والاقتصاد الدولي
ومدير مركز المصريين للدراسات بمصر ومحكم دولي معتمد بمركز جنيف للتحكيم الدولي التجاري
وعضو ومحاضر بالمعهد العربي الأوربي للدراسات السياسية والاستراتيجية بفرنسا