مصر

الدورة الـ 16 للجنة العُمانية المصرية المشتركة… آلية محورية لإستدامة التعاون والتكامل

تقرير تحليلي بقلم/ أحمد تركي… خبير الشؤون العربية

تعد الدورة السادسة نو عشر للجنة العُمانية المصرية المشتركة والتي عقدت أعمالها امس الثلاثاء  بالقاهرة برئاسة وزيري خارجية البلدين؛ محطة محورية في مسيرة العلاقات الوثيقة بين سلطنة عُمان ومصر والتي جذرها التاريخ وأغناها الحاضر.
تأتي هذه الدورة في سياق متابعة تنفيذ نتائج الزيارة التاريخية للسلطان هيثم إلى مصر في مايو 2023، والتي دشّنت مرحلة جديدة من التعاون الثنائي، وأرست أسساً قوية لانطلاق مسارات الشراكة، خصوصًا في المجالات الاقتصادية والاستثمارية والتجارية والتنموية.
ناقشت اللجنة أوجه التعاون القائم بين سلطنة عُمان ومصر، وسبل تطويره وتعزيزه بما يخدم المصالح المشتركة، ويواكب التحديات والمتغيرات الإقليمية والدولية.
شهدت الدورة الـ16 توقيع عدد من مذكرات التفاهم والبرامج التنفيذية، التي تغطي عدة مجالات حيوية، التعاون الإعلامي الترويج للاستثمار، جودة وسلامة الغذاء، الأوقاف والشؤون اليدينية، الثروة المعدنية، مجالي العمل والتدريب، وتطوير رأس المال البشري.
كشفت أعمال اللجنة أن ثمة تنسيقا كامل بين مصر وسلطنة عمان، فيما يتعلق بجهود الوصول لحل سلمي للملف النووي الإيراني، باعتبار أن السلطنة هي التي فتحت المسار التفاوضي .
وأكدا وزيرا خارجية البلدين الدكتور بدر عبد العاطي وبدر بن حمد البوسعيدي وزير الخارجية العمانى أن الهدف الأساسي المشترك هو العمل على خفض التصعيد وتجنيب المنطقة إلا تنزلق نحو فوضى شديدة وحرب إقتصادية.
وأكد وزير الخارجية والهجرة الدكتور بدر عبد العاطى عمق العلاقات الأخوية المتميزة التي تربط مصر وعُمان، مشيدًا بما تتمتع به السياسة الخارجية العُمانية من حكمة واتزان..وأعرب عن التطلع لتعزيز كافة جوانب العلاقات الثنائية والعمل على زيادة معدلات التبادل التجاري وتعزيز حجم الاستثمارات المشتركة بين البلدين الشقيقين، ودراسة الفرص الاستثمارية المتاحة في عدد من القطاعات الاقتصادية بالدولتين، وذلك تنفيذًا لتوجيهات الرئيس عبد الفتاح السيسي وأخيه السلطان هيثم بن طارق .
وأعرب الوزير عبد العاطي كذلك عن التطلع لتفعيل مجلس رجال الأعمال المشترك بين مصر وسلطنة عمان بهدف تعزيز التعاون في مختلف القطاعات، مؤكدًا استعداد الشركات المصرية للمساهمة في المشروعات التنموية بالسلطنة، خاصة في ظل المشروعات المتوقع تنفيذها في إطار خطة الاستثمارات الأجنبية المعلن عنها ضمن رؤية 2040 .
وأبدى الوزير عبد العاطي تطلع مصر لإحداث نقلة نوعية في مسيرة التكامل الاقتصادي المصري-العُماني، خاصة في مجالات التجارة والصناعة، والطاقة الجديدة والمتجددة، ولاسيما الهيدروجين الأخضر والأمونيا الخضراء، والنقل والربط اللوجستي، والاتصالات والتكنولوجيا والمعلومات والتحول الرقمي، والصحة، والزراعة، والتعليم.
وشدد عبد العاطي على ضرورة العمل على تعزيز التعاون بين منطقة قناة السويس الاقتصادية وهيئة المنطقة الاقتصادية الخاصة بـ “الدقم” في مجالات النقل البحري والتخزين اللوجستي، وكذلك الربط البحري بين ميناء “الدقم” والموانئ المصرية، بما يعزز التبادل التجاري بين البلدين، ويساهم في تعزيز التعاون المشترك.
وفيما يتعلق بملف الترشيحات الدولية، ثمّن الوزير عبد العاطي الدعم الذي تقدمه سلطنة عمان للترشيحات المصرية في المحافل والمنظمات الإقليمية والدولية، ومن بينها ترشيح الدكتور خالد العناني لمنصب مدير عام “اليونسكو”
وأكد الوزيران عبد العاطي والبوسعيدي على أهمية تثبيت وقف إطلاق النار بين إيران وإسرائيل، وتغليب الحلول الدبلوماسية في التعامل مع الملف النووي الإيراني، بما يسهم في تحقيق التهدئة وخفض التوترات وتحقيق الأمن والاستقرار الإقليمي.
وكشف المؤتمر الصحفي لوزيري خارجية البلدين ؛ التأكيد المتبادل على أهمية استمرار التشاور والتنسيق السياسي بين البلدين، لا سيّما تجاه القضايا الإقليمية في الشرق الأوسط، وفي مقدمتها تطورات القضية الفلسطينية. انطلاقاً من المواقف المصرية والعُمانية الداعية إلى ضرورة الوقف الفوري للحرب الإسرائيلية على غزة، وضمان إيصال المساعدات الإنسانية دون قيود، وأن الحل العادل والدائم لا يتحقق إلا من خلال تنفيذ حل الدولتين وفق قرارات الشرعية الدولية ومبادرة السلام العربية.
وأكدا الجانبان أن التعاون الاقتصادي بين عُمان ومصر شهد نموا متسارعا واهتماما متبادلًا بتوسيع حجم التبادل التجاري وتنمية الاستثمارات البينية، مدعومًا بجهود دبلوماسية واقتصادية نشطة تهدف إلى الترويج للفرص الاستثمارية والتجارية والسياحية بين البلدين، وتعزيز التواصل المباشر بين المؤسسات ورجال الأعمال من الجانبين، وبلغ حجم التبادل التجاري بين مصر وعُمان إلى أكثر من مليار دولار سنوياً.
يأتي ذلك في إطار تفعيل الدبلوماسية الاقتصادية بوصفها أحد مرتكزات “رؤية عُمان 2040”، والتي تركز على تنويع الاقتصاد الوطني، واستقطاب الاستثمارات النوعية، وتوفير بيئة محفزة وجاذبة.
وقد انعكست هذه الجهود في العديد من المبادرات والاتفاقات النوعية، كان من أبرزها توقيع اتفاقية استثمارية بين شركة “زينوكس العالمية” التابعة لبرنامج “لدائن” العُماني ومجموعة من الشركاء المصريين. وتوقيع اتفاق استثماري عُماني مع مجموعة هشام طلعت مصطفى لتنفيذ واحداً من أكبر المشاريع العقارية في عُمان، ويمثل علامة فارقة في سجل التعاون الاقتصادي العُماني المصري.
تمثل هذه المشروعات نموذجًا حيًا للتكامل بين البلدين، خاصة في قطاع الصناعات التحويلية والبتروكيماويات وقطاع المدن الحضارية المستدامة، ويعكس حرص البلدين على ترجمة التفاهمات الاقتصادية إلى مشروعات عملية ذات قيمة مضافة، تسهم في خلق فرص عمل وتحقيق التنمية المستدامة.
ويمكن القول أن الدورة السادسة عشرة للجنة العُمانية المصرية المشتركة مثلت آلية محورية لإستدامة التعاون المثمر، وأكدت مجددًا على متانة العلاقات الثنائية العمانية المصرية ، والحرص المشترك على الدفع بها إلى آفاق أرحب، من خلال آليات مؤسسية منتظمة ومتابعة دقيقة لتنفيذ ما يتم الاتفاق عليه.
كما تمثل هذه الدورة لبنة جديدة في مسار الشراكة الاستراتيجية بين سلطنة عُمان ومصر، وركيزة أساسية نحو تحقيق التكامل العربي، بما يخدم قضايا الأمن، والاستقرار، والتنمية الشاملة في المنطقة.

زر الذهاب إلى الأعلى