مقالات الرأي

جميلة ما شياو جينغ تكتب : الدوري المحلي ينهض بنعومة: لماذا أصبح “سو تشاو” شائعا في الصين؟

بقلم جميلة ما شياو جينغ 
إعلامية صينية 
ربما تكون على دراية بالدوريات الأوروبية الخمسة الكبرى أو لم تنس بعض اللحظات من مشاهد كأس العالم في قطر. لكن هل خطر ببالك يوماً ما أن هناك تجربة كروية فريدة تحدث بعيداً عن الأضواء واهتمام العالم في إحدى مقاطعات الصين؟
إنه “سو تشاو” – دوري كرة القدم في مقاطعة جيانغسو الصينية. الدوري الذي يُقام في إحدى أكثر مقاطعات الصين انتعاشا اقتصاديا؛ ويجمع تحديدا بين 13 مدينة من هذه المقاطعة. وفي هذا الصدد، هناك تنافس بين المدن على أرض الملعب، بالإضافة للمواجهة الثقافية بينها ورأي عام يجيش في الملعب. وهذا الدوري يقدم طريقة جديدة في سرد حكاية المدن الصينية بأسلوب مختلف تماما.
تنافس “الأوصياء الثلاثة عشر” على الصدراة: تعزيز شعور الانتماء للمدينة
تقع مقاطعة جيانغسو في شرق الصين وهي إحدى أكثر المقاطعات انتعاشا اقتصاديا. والتي تتميز بعدم وجود مدينة مهيمنة؛ حيث تتوزع القوة الفعلية بين 13 مدينة بنسب متقاربة وتنافس شرس، وقد أطلق مستخدمين الإنترنت مازحين على هذه المدن لقب “الأوصياء الثلاثة عشر”. تخوض هذه المدن منافسات شريفة علنا وسرا في مجالات متنوعة مثل نسب الإنتاج المحلي، والثقافة ووسائل النقل. مدينة نانجينغ هي مركز المقاطعة وتتميز بتاريخها العريق وجامعات ذو تصنيف قوي. أما عن مدينة سوتشو و ووشي و تشانغتشو وغيرها، فقد برزوا في الصين من ناحية التصنيع والناتج المحلي الإجمالي، وكل مدينة تملك قصتها الخاصة وتسعى للتميز والصدارة. وقد جاء هذا الدوري “سوتشاو” ليمنح هذا الطموح منفذا صحيا وإيجابيا؛ ألا وهو أن الفريق الذي يفوز، يمنح مدينته فرصة لتأكيد حضورها على الساحة.
الانتماء الشعبي يجعل دوري سوتشاو أكثر جاذبية
انتشر في العام الماضي “دوري كرة القدم لقرى مقاطعة قويتشو”، و رابطة “إن بي أيه الخاصة بالقرويين” في أرجاء الصين، بفضل طابعها الأصيل، ومشاركة الجمهور، وأجواء الألفة والمودة، مما أعاد تعريف الرياضة كممارسة اجتماعية. ورغم أن دوري “سوتشاو” يُنظم في المدن، لكنه يحمل سحرا مشابها يتمثل في “اللا مركزية”.
فهذا الدوري ليس بطولة محترفة عالية المستوى، بل هو حدث تنظمه المدن الثلاثة عشر في مقاطعة جيانغسو بشكل ذاتي، وهو منافسة “مدينة ضد مدينة”. أما عن اللاعبين المشاركين فمعظمهم معلمون، وطلاب، وموظفون – أي أنهم أشخاص عاديون في المجتمع، مما يجعل الجمهور يشعر بقرب حقيقي من اللاعبين. وهكذا، لم تعد عبارة “أنا أشجع مدينتي” مجرد شعار، بل أصبحت تشير إلى مباريات فعلية ونتائج ملموسة. وعلى أرض الملعب، هناك من يهتف مشجعا المدينة، وآخرون يناقشون التكتيكات في المباراة ويقارنون “أي المدن أكثر تماسكا”، حتى أن بعض المباريات شهدت حضورا لجماهير يرتدون قمصان التشجيع بأعداد كبيرة، في أجواء لا تقل حماسة عن مباريات المحترفين!
من مباراة إلى مهرجان – سحر دوري سوتشاو لا يقتصر على الملعب
تتجاوز جاذبية دوري سوتشو حدود المباريات نفسها، حيث تكمن القوة الحقيقية في الارتباط العميق بين الدوري والثقافة المحلية وسيناريوهات الاستهلاك. تستغل المدن المستضيفة الحدث كفرصة لتطوير علامتها التجارية؛ مثلا: طرحت مدينة تشانغتشو باقة “تذكرة مباراة + أرز مقلي بالفجل المجفف بـ9.9 يوان”، مما ضاعف مبيعات المنتجات المحلية؛ وفي مدينة تشنجيانغ، ازداد عدد السياح في الليل لمنطقة شيجيندو ثلاث أضعاف خلال أيام المباريات؛ أما عن مدينة يانتشنغ، فقد قدمت فطائر البيض مجانا لحاملي التذاكر، بينما تعاونت مدينة نانجينغ مع 200 متجر لإطلاق خصومات حصرية لمشاهدي المباريات، وتشمل المناطق السياحية والمطاعم والفنادق. وقد ساهمت هذه المبادرات في خلق تأثير مضاعف يتمثل في “أراد شخصا واحدا مشاهدة المباراة، فسافرت العائلة كلها”، وهذا أدى في النهاية إلى ارتفاع الحجوزات السياحية والثقافية في مقاطعة جيانغسو بنسبة مذهلة بلغت 305% خلال عطلة عيد قوارب التنين التي انتهت مؤخرا.
هذا لا يعزز فقط من متعة المشاهدة، بل يجعل من “دوري سوتشاو” منصة لسرد قصة كل مدينة – حيث تعرض كل مدينة شخصيتها وثقافتها: نانتونغ تشتهر بالانضباط، وسوتشو بالتعاون، وووشي بالسرعة… وهكذا يمكن للجمهور أن “يشاهد المدينة” بينما “يشاهد المباراة” في الوقت نفسه.
الخاتمة: ليس “دوريا جبارا”، لكنه يروي قصصا جبارة
إذا قلنا أن “دوري كرة القدم للقرى”، و رابطة “إن بي أيه الخاصة بالقرويين” قد أشعلوا الحماس للرياضة في الأرياف، فإن “دوري سوتشاو” أصبح شائعا في المدن كأخ صغير لهما. من كرة السلة في الجبال إلى كرة القدم في الحقول؛ تشهد الصين في السنوات الأخيرة موجة متصاعدة من البطولات الشعبية.
هذا يعكس تغيرا في فلسفة إدارة الرياضة في الصين. ففي السابق، كانت الموارد والإمكانات الرياضية تتركز في الأندية المحترفة وبرامج النخبة، أما الآن فهناك تركيز متزايد على “مشاركة الجميع وصحة الجميع”. وتبذل اللجان المسؤولة جهداً كبيراً لتقريب الرياضة من الناس، عبر إنشاء ملاعب في الأحياء، ومنح أهل المدن حق تنظيم النشاطات. هذا التحول خلق بيئة حاضنة لبطولات مثل دوري سوتشاو. وحماس الجمهور أثبت حقيقة بسيطة: لا يحتاج الناس إلى مشاهدة نجوم عالميين ليشعروا بالشغف، بل يكفي أن تكون المباراة حقيقية، محلية، وقادرة على إلهامهم. حينها فقط، تصبح الرياضة حديث الجميع.
زر الذهاب إلى الأعلى