الرئيسيةمقالات الرأي

السفير ميكولا ناهورني يكتب: الآلة الروسية للخداع: من يجنّد الأجانب للقتال ضد أوكرانيا وكيف؟

بقلم : السفير  ميكولا ناهورني سفير أوكرانيا بالقاهرة 

تتواصل الحرب العدوانية وغير المُستفَزّة التي تشنّها روسيا ضد أوكرانيا منذ ما يقرب من أربعة أعوام. فقد خطّط الكرملين للاستيلاء على أوكرانيا خلال أيام معدودة، غير أنّ القوات الروسية أُجبرت، في العام الأول من المواجهة، على التراجع إلى خطوط قريبة من مواقعها السابقة. ومنذ ذلك الحين يكاد خطّ الجبهة لا يتحرك: فلم تستطع روسيا حتى الآن احتلال كامل دونباس، رغم أنّ ذلك عُرض باعتباره «الهدف الأدنى». وفي المقابل، تتزايد الخسائر البشرية: مئات الآلاف من الجرحى والمصابين بالعجز، وأكثر من مليون قتيل من الجنود الروس الذين قُدِّموا قرباناً لطموحات نيو-إمبراطورية.

وبسبب النقص الحاد في القوى البشرية، نفّذ الكرملين عدداً من موجات التعبئة، العلنية منها والمخفية، مع استمرار التجنيد الإجباري دون انقطاع. وفي الوقت ذاته، تُنفق موسكو مليارات الدولارات على عقود مع ما يسمى «المتطوعين»، وهم في الغالب رجال من مناطق مهمَّشة لا يملكون أي فرصة لتحقيق ذواتهم في الواقع الروسي الراهن.

ومع ذلك، فإن هذا كلّه لا يكفي. فالجيش الأوكراني يدافع بفعالية، ويستخدم على نحو متزايد التكنولوجيات الحديثة، ويُنشئ «منطقة موت» واسعة أمام محاولات الهجوم الروسية عبر استخدام أنواع مختلفة من المسيّرات. غير أنّ القادة العسكريين الروس، من دون أي اعتبار لحياة الجنود، يواصلون الدفع بوحدات كاملة إلى «هجمات لحمية» متهوّرة لا تحقق نتائج ملموسة، بل تزيد الخسائر فقط. وفي ظل هذا الواقع، تسعى روسيا على نحو متزايد إلى تعويض نقص الموارد خارج حدودها. وأبرز مثال صارخ على ذلك هو إرسال أعداد كبيرة من العسكريين الكوريين الشماليين للقتال ضد أوكرانيا.

إلى جانب ذلك، تعمل موسكو على تجنيد الأجانب بنشاط في دول أفريقيا وآسيا وأمريكا الجنوبية. وتُنشر الدعاية للحرب ضد أوكرانيا عبر البعثات الدبلوماسية الروسية والمراكز الثقافية وغيرها من المؤسسات الروسية في الخارج، التي تخلق بيئة معلوماتية مساعدة لاستقطاب الأجانب إلى الحرب.

وعلى المستوى العملي، تعتمد روسيا أيضاً على التجنيد الواسع عبر الإنترنت. فمن خلال شبكات التواصل الاجتماعي، وقنوات «تلغرام»، ومنصّات أخرى، تعمل شبكة واسعة من الوسطاء الخاضعين للأجهزة الخاصة الروسية. وهؤلاء يؤدّون دور الوسيط بين وزارة الدفاع الروسية والمرتزقة المحتملين، ويقدّمون وعوداً بدفعات مالية كبيرة، أو الحصول السريع على الجنسية، أو فرص عمل قانونية أو تعليم. غير أنّ الواقع مختلف تماماً: فالأجانب يصطدمون بالخداع، والإكراه، والاستغلال.

وقد أصبحت أفريقيا إحدى الاتجاهات الرئيسية لهذا النشاط. فالهياكل الروسية تحاول بنشاط استقطاب ليس فقط المقاتلين، بل أيضاً المختصّين والعمّال العاديين للعمل داخل المجمع الصناعي العسكري. ففي جنوب أفريقيا، على سبيل المثال، كُشف عن عمليات تجنيد واسعة للنساء تحت غطاء التشغيل في منشآت «منطقة ألابوغا الاقتصادية الخاصة» في تتارستان الروسية، ليتبين لاحقاً أنهنّ استُخدمن فعلياً في مصانع تصنيع المسيّرات العسكرية. وتُغطّى العملية كلّها بستار «التعاون» على مستوى الحكم المحلي بين الدول. وجديرٌ بالتنويه والتحذير في آنٍ معاً أنّ «ألابوغا» وسائر منشآت المجمع العسكري–الصناعي الروسي تُعدّ أهدافاً مشروعة للجيش الأوكراني، وهي تتعرض باستمرار لهجمات بالطائرات المسيّرة والقصف من قبل القوات الأوكرانية.

وغالبية المجنَّدين بطريقة غير قانونية هم من الشباب الذين لا يمتلكون معرفة كافية بالسياسة الدولية ولا يدركون مخاطر التعامل مع الوكلاء الروس. كما تستهدف عمليات التجنيد الطلاب والعمال المهاجرين الذين يُوضَعون أمام خيارين: الترحيل أو الخدمة في الجيش الروسي. وقد أصبح مواطنو عشرات الدول الأفريقية بالفعل ضحايا لهذا التجنيد غير القانوني، ويُقاس عددهم بالآلاف.

وتُعدّ قصة كينيا مثالاً خاصاً على ذلك: فقد كُشف هناك عن شبكة إجرامية كاملة كانت تُرسل الأشخاص إلى روسيا تحت غطاء «التوظيف الرسمي». وحال وصولهم، كانوا يُجبرون على توقيع وثائق باللغة الروسية لا يفهمون محتواها، وهي في الواقع عقود للخدمة العسكرية. وقد تأكدت هذه الحالات مباشرة على الجبهة: إذ أسرت القوات الأوكرانية مواطناً كينياً وصل إلى روسيا بصفته سائحاً، فُرِضت عليه «وظيفة» قُدّمت له بوثائق لم يفهمها. وتمّت مصادرة جواز سفره وهاتفه، وأُرسل إلى معسكر عسكري دون تدريب أو تجهيز، ودون أي فرصة للبقاء على قيد الحياة.

وكُشفت أساليب مماثلة في جنوب أفريقيا المذكورة: فقد أفادت وسائل الإعلام المحلية عن مجموعة تضم نحو عشرين مواطناً تعرّضوا للخداع بوعود العمل القانوني، ثم أُجبروا على توقيع عقود عسكرية لدى وصولهم. وجنوب أفريقيا ليست سوى أحد الاتجاهات العديدة؛ فقد سُجِّلت حالات مشابهة في أوروبا وأمريكا اللاتينية وآسيا الوسطى والجنوبية، بما في ذلك مواطنو أفغانستان وكوبا وكازاخستان وقرغيزستان وطاجيكستان وبيلاروس وأوزبكستان ونيبال.

كما تستخدم روسيا طريقة فبركة القضايا الجنائية. فقد حُكم على مواطن من تنزانيا أولاً بتهمة مزعومة تتعلق بالاتجار غير القانوني بالمخدرات، ثم جرى تجنيده داخل السجن في ما يسمى «الفيلق الأفريقي» (الاسم الجديد ل«فاغنر»)، حيث لقي حتفه لاحقاً.

وتثير الحالات المتعلقة بمواطنين مصريين قلقاً خاصاً، إذ وقع بعضهم أيضاً في الأسر لدى القوات الأوكرانية. فهي تُغرِيهم بوعود أرباح سهلة، أو الحصول على الجنسية بسرعة، أو «تحسين مستوى الحياة»، بينما يصبحون في الواقع ضحايا للاستغلال والخداع والحرمان الفعلي من العودة إلى وطنهم. وأبرز مثال صارخ على ذلك هو إرسال أعداد كبيرة من العسكريين الكوريين الشماليين للقتال ضد أوكرانيا.

وتقدّر أوكرانيا تقديراً عالياً موقف جمهورية مصر العربية، التي لا تكتفي بإدانة التجنيد غير القانوني والممارسات المرتبطة به المخالفة للقانون الوطني والدولي، بل تعمل كذلك على مكافحة هذه الظاهرة. ونحن نعوّل على استمرار التعاون النشط مع السلطات المصرية لمنع هذه الأساليب وحماية مواطنيها.

وستواصل أوكرانيا إبلاغ المجتمع الدولي، بما في ذلك الجهات المختصة في جمهورية مصر العربية، بمثل هذه الأنشطة الروسية، وتدعو مواطني مصر وغيرها من الدول الذين أُقحِموا قسراً في الجيش الروسي إلى البحث عن فرصة للاستسلام للجيش الأوكراني — إذ تضمن القوات المسلحة الأوكرانية معاملتهم معاملة إنسانية وفقاً للقانون الدولي الإنساني.

للاطلاع على معلومات أكثر تفصيلاً ومُوثَّقة ومدعومة بالأدلة، يُرجى متابعة الرابط التالي:

 https://www.masrawy.com/crossmedia/Russian-army/index.html

 

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى