عرب وعالم

المستثمرون الصينيون يتطلعون إلى تعاون أوثق في آفاق النمو الجديدة في الشرق الأوسط

دعاء زكريا

(شينخوا) يقول  لـ سازاد عبد الحنان، سائق في العاصمة السعودية، لم تعد العلاقات الاقتصادية المتنامية بين الصين والسعودية عناوين رئيسية بعيدة، بل تتجلى يوميا من خلال عمله.

وقال “في الماضي، كان معظم عملائي من المواطنين السعوديين أو الأوروبيين. أما الآن، فقد أصبح رجال الأعمال الصينيون الذين يزورون السعودية للاستثمار من أهم فئات عملائي”.

مع افتتاح المملكة للنسخة التاسعة من مؤتمر مبادرة مستقبل الاستثمار ، وهو تجمع رائد على أجندة الاستثمار في الشرق الأوسط، حجزت الشركات الصينية المشاركة في المنتدى أسطول الشركة التي يعمل لديها عبد الحنان بالكامل تقريبا.

تظهر تجربته توجها إقليميا كاسحا: إذ تضع الشركات الصينية أنظارها على الشرق الأوسط، وتبرز كلاعب رئيسي في سعي المنطقة نحو نمو متنوع، وهو توجه يبرز في شعار النسخة التاسعة من مؤتمر مبادرة مستقبل الاستثمار – “مفتاح الازدهار: فتح آفاق جديدة للنمو”.

توسّع التأثير

في وقت سابق من هذا الشهر، في نخلة جميرا بدبي، انطلقت سيارة طائرة أنيقة بمهارة نحو السماء.

تحت أنظار أفراد العائلة الملكية الإماراتية وقادة الأعمال المجتمعين في الأسفل، حلقت الطائرة، التي طورتها شركة ((إكس بنغ إيرو إتش تي)) الصينية، للحظة ثم هبطت بسلاسة. شكل هذا العرض المستقبلي إنجازا رمزيا: دخول تكنولوجيا الطيران منخفض الارتفاع الصينية إلى الشرق الأوسط.

في الأعوام الأخيرة، وسعت الشركات الصينية حضورها في المنطقة بشكل مطرد، متجاوزة الشراكات التقليدية في مجال الطاقة إلى صناعات عالية التقنية مثل الطاقة الشمسية والخدمات اللوجستية الذكية ومركبات الطاقة الجديدة والحوسبة السحابية. ويمتد حضورها الاستثماري الآن من الخليج إلى المتوسط.

على طول ساحل البحر الأحمر السعودي، تشارك الشركات الصينية بشكل مكثف في مشروعات رئيسية لمشروع نيوم، “مدينة المستقبل” الطموحة في المملكة، حيث تسهم في أنظمة السكك الحديد ومراكز البيانات وشبكات طاقة الرياح التي تدعم أهداف رؤية البلاد 2030.

وفي الصحراء الشمالية بمصر، استقطبت منطقة التعاون الاقتصادي والتجاري بين الصين ومصر (تيدا) في السويس أكثر من 180 شركة. ومن خلال تشكيل تجمعات صناعية في مواد البناء والمعدات البترولية وتصنيع الآلات والأجهزة المنزلية والمنسوجات، أصبحت المنطقة واحدة من أكثر المناطق الصناعية إنتاجية في مصر، حيث وفرت فرص عمل لما يقرب من 10000 ألف عامل محلي.

وفي الإمارات العربية المتحدة، تنشط أكثر من 6000 شركة صينية في قطاعات مثل الذكاء الاصطناعي والخدمات الرقمية والحوسبة السحابية، ما يسهم في تعزيز التحول الرقمي في البلاد.

وقال تساو هوي، المدير التنفيذي لشركة (تيدا – مصر) لتنمية المنطقة الاقتصادية الخاصة، “تسعى دول الشرق الأوسط جاهدة نحو التنويع الصناعي ونمو التصنيع المحلي، مما أتاح فرصا هائلة للشركات الصينية للتوسع في الخارج. ونحن واثقون للغاية من آفاق المنطقة”.

ومتوافقا مع رأي تساو، أظهر استطلاع أجرته شركة ((برايس ووترهاوس كوبرز)) بين أبريل ومايو أن ثقة الشركات الصينية في سوق الشرق الأوسط استمرت في الارتفاع، حيث تخطط ما يقرب من 90 بالمئة من الشركات التي شملها الاستطلاع لدخول المنطقة أو تعزيز حضورها فيها.

— شراكة معززة على نحو متبادل

يقول المحللون إن التوسع السريع للشركات الصينية في الشرق الأوسط، وتزايد انفتاح المنطقة عليها، يعززان بعضهما البعض في دورة متبادلة المنفعة.

صرح لي وي بين، الرئيس التنفيذي لـ((جيريه جروب))، التي تعمل في عدة دول بالشرق الأوسط، لوكالة أنباء ((شينخوا))، “من خلال خلق قيمة اقتصادية واجتماعية ملموسة محليا، اكتسبت الشركات الصينية ثقة الدول المضيفة، وهذه الثقة توفر أساسا حاسما لمزيد من النمو”.

اليوم، يزداد الترابط بين الشركات الصينية واقتصادات الشرق الأوسط.

وقال خالد وليد، الباحث في المركز العربي للأبحاث ودراسات السياسات في قطر، “أصبحت الشركات الصينية عنصرا أساسيا في التنمية المحلية، إذ تسرع تنفيذ المشروعات الكبرى، وتوفر حلولا مالية وتكنولوجية مرنة تعزز الكفاءة وتخفض التكاليف”.

يشير الخبراء إلى أن انفتاح المنطقة على الشركات الصينية ينبع ليس فقط من مزاياها التكنولوجية وانخفاض تكلفتها، بل أيضا من تكيفها الاستباقي مع السياقات الاقتصادية والاجتماعية المحلية واحترامها لها.

وقال ضياء حلمي، الأمين العام لغرفة التجارة المصرية-الصينية، “تحترم الشركات الصينية السيادة المحلية والأعراف الثقافية، ما يمكن شركاء الشرق الأوسط من اتباع مساراتهم السياسية والاقتصادية الخاصة مع الظفر باستثمارات عالمية المستوى”.

وأضاف “يحظى هذا النهج بتقدير كبير، ويعزز شراكات مستقرة وطويلة الأمد تركز فقط على الرخاء والتنمية المشتركين، دون شروط أيديولوجية مسبقة”.

وعلى نطاق أوسع، يوضح نجاح الشركات الصينية في الشرق الأوسط تعميق العلاقات والتعاون الأوثق بين الصين والمنطقة.

على سبيل المثال، في إطار مبادرة الحزام والطريق، وقعت الصين وثائق تعاون مع جميع الدول العربية الـ 22 وجامعة الدول العربية، ما يوفر إطارا استراتيجيا وضمانات مؤسسية للشركات الصينية للنمو في أسواق الشرق الأوسط.

وقال عدلي قندح، الخبير الاقتصادي الأردني، “توفر الاستراتيجيات الوطنية الصينية، من بينها مبادرة الحزام والطريق، الأطر المؤسسية والمالية الرئيسية التي تمكن الشركات الصينية من النمو في الأسواق الإقليمية”.

وأضاف أن المبادرة، عمليا، أصبحت “منصة اقتصادية شاملة توفر التمويل والتأمين والدعم اللوجستي وضمانات العقود طويلة الأجل لجميع الأطراف”.

وقال يانغ تشي يوان، المدير العام لشركة الصين لهندسة الموانئ المحدودة (الشرق الأوسط)، “مع تزايد مواءمة مبادرة الحزام والطريق مع استراتيجيات التنمية في دول الشرق الأوسط، نرى أن هذه العلاقات الثنائية الأوثق تهيئ بيئة اقتصادية كلية أكثر ملاءمة لعملياتنا”.

— مستقبل واعد

ومع توجه الصين نحو صياغة خطتها الخمسية الـ15 للتنمية الاقتصادية والاجتماعية، والتي تُحدد أهداف واستراتيجيات التنمية للبلاد للفترة 2026-2030، ترى دول الشرق الأوسط آفاقًا جديدة للتعاون مع الصين.

وصرحت هبة عباس، عضو المجلس الاستشاري الصناعي في كلية الهندسة بالجامعة الأسترالية في الكويت، “في إطار خطتها الخمسية الـ15، تركز الصين بشكل أكبر على النمو عالي الجودة القائم على الابتكار والمستدام”.

وأضافت “بالنسبة للشرق الأوسط، يتيح هذا آفاقا من الفرص… إن المواءمة بين رؤية الصين طويلة المدى وأجندات الإصلاح في الشرق الأوسط يوفر أرضية خصبة للتعاون الاستراتيجي، وشراكات الاستثمار، وتشارك المعرفة”.

ويرى حلمي أن العلاقة بين الصين والشرق الأوسط “تتطور إلى شراكة استراتيجية متعددة الأوجه تتميز بتنويع اقتصادي عميق ومواءمة رؤى التنمية الوطنية”.

وأضاف “هذه العلاقة تعني أن آفاق التعاون الاقتصادي واعدة على نحو استثنائي وذات أهمية استراتيجية لكلا الجانبين”.

وبالنسبة للشركات الصينية، ومع تحول المنطقة نحو نماذج تنمية أكثر استدامة مع تزايد الطلب على التقنيات المتقدمة، أصبح الشرق الأوسط وجهة واعدة بشكل متزايد للتعاون الاقتصادي.

وقال تشن ده بين، المدير العام لشركة ((مجموعة المكتب الثامن عشر للسكك الحديدية الصينية المحدودة)) في السعودية، “لطالما كان الشرق الأوسط أولوية استراتيجية لنمونا. نعتقد أن هناك إمكانات أكبر للتعاون بين الصين والشرق الأوسط، ونحن على استعداد للعب دور أكبر في دعم سعي المنطقة نحو مستقبل أفضل”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى