باي وي يكتب : العلاقات الصينية المصرية تدخل “عصرها الذهبي”

بقلم: باي وي وجيه إعلامي صيني
منذ إقامة العلاقات الدبلوماسية بين الصين ومصر قبل 69 عامًا، حقق الجانبان إنجازات عظيمة من خلال التبادل المتنوع، ما عاد بفوائد جمة على شعبي البلدين، كما ساهم في تنمية وازدهار اقتصاديهما ومجتمعيهما، وشكلا نموذجًا للتعاون الاستراتيجي الشامل بين الحضارتين العريقتين في تاريخ البشرية.
ومهما تغيرت الأوضاع الدولية، ظلت الصين ومصر تحترمان بعضهما البعض وتثقان وتدعمان بعضهما البعض، ويُعزى ذلك إلى وجود ثلاث نقاط مشتركة بين البلدين:
أولًا، تُعد مصر والصين دولتين ذواتي حضارة زاهرة، وعدد سكاني كبير، وقوة سياسية واقتصادية وثقافية وعسكرية، وتؤديان دورًا مهمًا في منطقتهما.
ثانيًا، لدى البلدين تجارب تاريخية متشابهة في العصر الحديث، فقد خاضتا نضالات شاقة في القرن العشرين من أجل تحقيق الاستقلال وبناء دولتيهما.
ثالثًا، ينتهج البلدان سياسات خارجية تقوم على القانون الدولي ومبدأ احترام سيادة الدول الأخرى.
على مدى العقد الماضي، شهدت العلاقات الثنائية بين الصين ومصر ازدهارًا ملحوظًا في المجالات السياسية والاقتصادية والثقافية. وقد قام الرئيس عبد الفتاح السيسي بعدة زيارات إلى الصين، من بينها مشاركته في قمة مجموعة العشرين لقادة العالم في هانغتشو عام 2016، والدورة الثانية لمنتدى الحزام والطريق للتعاون الدولي التي عُقدت في بكين عام 2019، بالإضافة إلى حضوره حفل افتتاح دورة الألعاب الأولمبية الشتوية في بكين عام 2022.
وقد وصف الرئيس الصيني شي جين بينغ الشراكة الاستراتيجية الشاملة بين الصين ومصر بأنها “نموذج للتضامن والتعاون والمنفعة المتبادلة بين الصين والدول العربية والإفريقية والدول النامية”، مؤكدًا أن الصين تنظر إلى العلاقات مع مصر وتعمل علي تعزيزها من منظور استراتيجي وبعيد المدى.
في المجال الاقتصادي، تُعد الصين واحدة من أكثر الدول نشاطًا وسرعة في نمو استثماراتها في مصر، حيث تجاوزت استثماراتها 7 مليارات دولار أمريكي. كما تركت الصين بصمتها في مسيرة التمدن والتصنيع التي تشهدها مصر.
يُعد الحي التجاري المركزي بالعاصمة الإدارية الجديدة في مصر، والذي تتولى تنفيذه مجموعة الصين العامة للبناء، من المشاريع الوطنية الكبرى في خطة النهضة المصرية، كما يُعد من المشاريع المحورية في التعاون الصيني المصري ضمن مبادرة “الحزام والطريق”. يشمل المشروع عشرة مبانٍ إدارية وخمسة مبانٍ سكنية وأربعة فنادق كبرى، بالإضافة إلى البرج الذي يبلغ ارتفاعه 385.8 مترًا، ويُعد أعلى ناطحة سحاب في إفريقيا، ومن المتوقع أن يتم إنجازه قريبًا.
أما مشروع القطار الكهربائي الخفيف (LRT) بمدينة “العاشر من رمضان” الواقعة شرق القاهرة، فهو حلقة وصل حيوية بين وسط القاهرة والعاصمة الإدارية الجديدة ومدينة العاشر من رمضان والمدن الجديدة الواقعة على الخط الشرقي. ويُعد هذا المشروع من المشاريع الرائدة في إطار التعاون الصيني المصري في مبادرة “الحزام والطريق”، وقد دخلت المرحلتان الأولى والثانية منه حيز التشغيل رسميًا في الآونة الأخيرة.
وفي ظل تطوير “الممر الاقتصادي لقناة السويس”، أصبحت منطقة التعاون الاقتصادي والتجاري بين الصين ومصر (تيدا – السويس) نقطة جذب مهمة، حيث استقطبت أكثر من 180 شركة، باستثمارات تجاوزت 3 مليارات دولار أمريكي، وبلغ إجمالي مبيعاتها أكثر من 5.3 مليارات دولار أمريكي، كما وفّرت فرص عمل مباشرة لما يقرب من عشرة آلاف شخص، وأسهمت بشكل فعّال في دفع عجلة التنمية السريعة للصناعات المرتبطة بها في مصر.
في الوقت نفسه، يشهد التعاون بين الصين ومصر في مجال التبادل الثقافي والإنساني نشاطًا ملحوظًا. ففي السنوات الأخيرة، حيث نظّم الجانبان مجموعة متنوعة من الفعاليات الثقافية التي لاقت ترحيبًا واسعًا من شعبي البلدين، مثل أسابيع الثقافة والمهرجانات السينمائية والمعارض الأثرية وحلقات القراءة وغيرها.
ومنذ توقيع مذكرة التفاهم بشأن تنفيذ برنامج تنظيم سفر المواطنين الصينيين إلى مصر في مجموعات سياحية عام 2002، شهد عدد السياح الصينيين المتجهين إلى مصر نموًا متسارعًا. وفي يناير 2023، أُدرجت مصر ضمن الدفعة الأولى من الدول التي استأنفت فيها الصين تنظيم الرحلات السياحية الجماعية، وفقًا لوزارة الثقافة والسياحة الصينية.
وقد أقام البلدان حتى الآن علاقات توأمة بين 17 محافظة ومدينة، كما أُدرجت اللغة الصينية ضمن المناهج الدراسية للمدارس المصرية. وفي سبتمبر 2022، أُطلق مشروع تجريبي لتعليم اللغة الصينية في المدارس الثانوية المصرية. ويوجد حاليًا في مصر 30 جامعة تُدرّس اللغة الصينية، و3 معاهد كونفوشيوس، و4 فصول كونفوشيوس، ويبلغ عدد الدارسين في معاهد كونفوشيوس حوالي 50 ألف طالب.
ومع انضمام مصر رسميًا إلى مجموعة “البريكس”، تتجه الأنظار إلى مستقبل واعد في العلاقات الصينية المصرية، حيث يمكن للطرفين العمل على تعميق التكامل بين مبادرة “الحزام والطريق” ورؤية مصر 2030، والابتكار في أشكال التعاون، وتعزيز التبادل الحضاري بين هاتين الحضارتين العريقتين ، وبناء مجتمع مصير مشترك أوثق بين الصين ومصر، والعمل معًا من أجل تحقيق مستقبل أكثر إشراقًا للعلاقات الثنائية.