بين الرصاص والدبلوماسية: فلسطين تصارع الاحتلال وإسبانيا تُعبِّر عن موقف متحرِّك

كتبت :إيمان خالد خفاجي
في قلب الصراع العربي-الإسرائيلي، تتجدَّد معاناة الشعب الفلسطيني، حيث يُسلَّط الضوء من جديد على التراجيديا الإنسانية والسياسية التي يعيشها في خضمّ المواجهة المستمرة مع إسرائيل. وما بين قذائف الحرب والتصريحات السياسية والدعم الدولي، يتجدَّد السؤال: أين تقف الدول الكبرى؟ وما هو موقف إسبانيا، كدولة أوروبية ذات وزن، من القضية؟ هذا التقرير يرصد مجمل الأزمات التي مرّت بها فلسطين خلال الأسبوع الماضي، ويبيِّن بوضوح موقف مدريد من هذا الصراع، والعوامل التي تشكّل علاقتها بالقضية الفلسطينية.
الأزمات والتداعيات الأخيرة في فلسطين
خلال الأسبوع الماضي، تكشَّف مجمل التلوث بين الحرب المفتوحة ضد إسرائيل والمعاناة الإنسانية التي تُقاس يوميًّا في الأراضي الفلسطينية، خاصة في قطاع غزة والضفة الغربية. فيما يلي أبرز التطوّرات:
1. التصعيد العسكري والهجمات على المدنيين
واصلت إسرائيل شنّ ضربات جوّية مكثّفة على مناطق في غزة، أدّت إلى مقتل وإصابة مدنيين بينهم أطفال، كما تداعت مبانٍ سكنية وأحياء بكاملها تحت وابل القنابل (تقارير الدفاع المدني في غزة).
شنّت إسرائيل هجمات على مبانٍ سكنية ومواقع يُعتقد أنّها تابعة لفصائل المقاومة، ما زاد حجم الأضرار المادية والمعنوية للسكان.
2. الحصار وتجديد القيود على المعابر
أبلغت السلطات الفلسطينية عن قرار إسرائيلي بإغلاق معبر “كرم أبو سالم” (معبر “الكرمة” / “الكرم” أو “الكَرَبة” في الترجمة العربية) حتى إشعار آخر، ما يعرقل دخول الشحنات، المواد الغذائية، الأدوية، والإمدادات الأساسية.
كذلك، علق الجانب الإسرائيلي حركة السلع والأفراد عبر هذا المعبر، مما يعزّز معاناة السكان المحاصرين في غزة.
3. الحصار البحري والتضييق على أساطيل الدعم
قُبض على أسطول مساعدات يُعرف بـ”Global Sumud Flotilla” بقيود إسرائيلية أثناء محاولته اختراق الحصار المفروض على غزة. من بين المعتقلين، العديد من الإسبان، بينهم سياسيّون وناشطون.
هذا الاعتقال أثار ردود فعل واسعة في أوروبا، وأثار نقاشًا حول شرعية الحصار البحري المفروض على قطاع غزة.
4. التنديد الدولي والتصاعد الشعبي
في عواصم أوروبية عدة، اندلعت احتجاجات حاشدة تأييدًا للقضية الفلسطينية، ضد ما يُوصف بالغارات المكثّفة والحصار القاسي. في إسبانيا، خرجت مظاهرات ضخمة في مدن مثل برشلونة ومدريد، شارك فيها عشرات الآلاف للتعبير عن التضامن مع غزة.
بعض هذه التظاهرات تحوّلت إلى اشتباكات مع قوات الأمن، وأسفرت عن اعتقالات وإصابات من الجانبين.
5. الخسائر في الشرعية السياسية لإسرائيل
على الصعيد الدوليّ، تعرَّضت إسرائيل لنكسة دبلوماسية، إذ صوتت 153 دولة في الأمم المتحدة على الاعتراف بالحقوق الفلسطينية، في موقف يُشكّل هزّة في الصفّ الدبلوماسي لها.
كذلك، دول أوروبية عدة أعلنت اعترافها بدولة فلسطين أو خطوات رمزية تدعمها، مما يشكّل ضغطًا متزايدًا على إسرائيل.
موقف إسبانيا من القضية الفلسطينية
إسبانيا، باعتبارها دولة مؤثرة في أوروبا ومدمجة في الاتحاد الأوروبي، اتخذت في الفترة الأخيرة موقفًا متحوّلاً ومتقدّمًا مقارنة بالتوازنات التاريخية للدول الأوروبية. من خلال رصد التصريحات والإجراءات، يمكن تلخيص موقفها على النحو الآتي:
1. خطوات ملموسة ضد إسرائيل
في 8 سبتمبر 2025، أعلن رئيس الوزراء الإسباني بيدرو سانشيز حزمة تدابير ضد إسرائيل، من ضمنها: حظر مرور السفن والطائرات التي تحمل الأسلحة إلى إسرائيل من عبور الموانئ أو المجال الجوي الإسباني، وزيادة المعونة المالية للسلطة الفلسطينية، وفرض قيود على السلع القادمة من المستوطنات الإسرائيلية، ومنع دخول أشخاص متورطين في “جرائم إبادة” إلى الأراضي الإسبانية.
أيضاً، استدعاء السفير الإسرائيلي في مدريد، والردّ على تصريحات إسرائيلية بأن الحكومة الإسبانية تسعى لتوجيه الاتهامات بإزاء جرائم حرب.
كما أعلنت إسبانيا نيتها فرض حظر على نقل الأسلحة الإسرائيلية عبر أراضيها، وإيقاف التعامل الدبلوماسي مع بعض الشخصيات المتورطة.
2. الاعتراف والدعم الدبلوماسي
أقدمت إسبانيا على الاعتراف بدولة فلسطين رسميًا، وافتتحت فلسطين سفارة في مدريد كجزء من الخطوة الرمزية والدبلوماسية الكبيرة.
حكومة سانشيز وصفّت الجرائم التي ترتكبها إسرائيل بأنها قد ترقى إلى “إبادة جماعية”، وطالبت بفرض عقوبات على تل أبيب.
في البرلمان الإسباني، مرّت قرارات وتصويتات داعمة للفلسطينيين، منها قرار غير ملزم يطالب بخفض مستوى العلاقات مع إسرائيل ومنع دخول الشخصيات المتورطة في الجرائم.
3. الرأي العام والنشاط الشعبي
الاحتجاجات والإضرابات الطلابية في إسبانيا ضد الحرب في غزة ازدادت حجمًا، وطلاب في مدارس وجامعات خرجوا للمطالبة بوقف القصف وإدانة إسرائيل.
الإعلام الإسباني عبّر عن تضامن ملحوظ مع المعاناة الفلسطينية، وتصدّرت قضية غزة صفحات الصحف والتقارير التلفزيونية، مما شكّل ضغطًا داخليًّا على الحكومة لكي تتخذ موقفًا واضحًا وفاعلًا.
4. التوازنات والتحديات
رغم الموقف المتقدّم لإسبانيا، هناك بعض التحديات التي تواجهها:
المعارضة الداخلية والأحزاب المحافظة تحذِّر من الانحياز المفرط والمجازفة بعلاقات الدولة مع إسرائيل، معتبرين أن بعض الإجراءات “أحادية” وغير متوازنة.
إسبانيا مراعية لكونها دولة داخل الاتحاد الأوروبي، ولا تستطيع بمفردها تغيير معادلات السلام أو الاتفاقات الكبيرة، لكنها تسعى لتكون قوة ضاغطة داخل الاتحاد والدبلوماسية الأوروبية.
مدريد تؤكد دعمها لحل الدولتين: وجود إسرائيل آمنة وشعب فلسطيني يحتفظ بحقوقه وبدولة مستقلة، وبالتالي تسعى لتحقيق توازن بين دعم الفلسطينيين وحماية العلاقات الدولية.
باختصار، موقف إسبانيا أقرب إلى دعم الشعب الفلسطيني والضغط على إسرائيل، أكثر مما هو انحياز مطلق لا يُراعي الأمن الإسرائيلي، لكنه ليس موقف حياديًا بلا مواقف؛ فهي الآن تقف علنًا مع الفلسطينيين ضد الانتهاكات والحصار، وتستخدم أدوات الدبلوماسية والضغط كوسيلة للتعبير.
تحليل: مع من تكون إسبانيا بالفعل؟
يقترن سؤال “مع من تكون إسبانيا؟” بفهم العمق الاستراتيجي والسياسي لموقفها. من المهم أن نميز بين:
الانحياز المطلق: أي تأييد كامل دون مراعاة لأي بعد سياسي أو أمني لإسرائيل. هذا ليس ما تفعله إسبانيا.
التوازن الداعم للفلسطينيين: دعم حقوق الفلسطينيين، وإدانة الانتهاكات، مع الدعوة إلى حلٍ سياسي عادل. هذا ما تميل إليه مدريد.
الحياد الصامت: موقف منتشر في السياسة الخارجية لبعض الدول التي تفضّل عدم الانخراط. إسبانيا تجاوزت هذا الحياد بالفعل.
بمقارنة السياسات، يتضح أن إسبانيا تبنّت موقفًا متحرّكًا ــ أقرب إلى تأييد الشعب الفلسطيني وضغوط على إسرائيل ــ وليس الانحياز الكامل أو الدعم الأعمى لإسرائيل. كما أن إسبانيا ليست “مع مصر تحديدًا” بمعنى تحالف مباشر، بل تقف في معظم مواقفها مع المبادئ التي تدافع عنها مصر (كالدعم للقضية الفلسطينية والحقوق العربية)، ولكن ضمن سياقها الأوروبي والدولي الخاص.
—