دكتور العشماوي عبدالكريم الهواري يكتب : بوابة الصمت… الممر الذي لا يُرى

بقلم الدكتور العشماوي عبدالكريم الهواري
استاذ واستشاري ترميم وصيانة المباني والمنشات الاثرية والتراثية ورئيس قسم ترميم وصيانة الآثار
في وادٍ مهجور قرب سفوح جبل «بيلوس»، حيث تهبط الضبابات من القمم كأصابع تبحث في الأرض عن شيء ضائع، كانت البعثة الأثرية تظن أنها جاءت للبحث عن بقايا معبد إغريقي منسي.
لكن أول ارتطام لأداة الحفر بصوت معدني مكتوم قلب المهمة كلها إلى لغز يتجاوز التاريخ.
تحت طبقات من الطين والصخور، برزت كتلة ضخمة من الجرانيت الأبيض الموشّى بعروق ذهبية، منحوتة بمهارة لا تُرى حتى في أبهى معابد الأكروبوليس. طولها أربعة أذرع ونصف، وعرضها كذراع ونصف، يكسوها نقش متكرر لعيون مفتوحة وأخرى مغمضة… وكأنها تراقب وتنام في آن واحد.
لكن الغريب… أنها لم تكن مدخلًا لأي حجرة، بل جدارًا صلدًا لا ينفتح.
«باب لا يؤدي إلى مكان!» هكذا قال أحد الباحثين، قبل أن يجيبه رئيس البعثة «ليونيداس ماركوس» بنبرة واثقة:
— بل يؤدي… لكن ليس في هذا العالم.
هنا، بدأ فريق من خبراء البارا سايكولوجي – علم ما وراء النفس – دراسة النقوش. وأكدوا أن الأشكال الهندسية والعيون المنحوتة تتطابق مع رموز وُجدت في مواقع أخرى حول العالم، أما الطاقة المنبعثة من الحجر فكانت غير مألوفة… أجهزة قياس الحقل الكهرومغناطيسي سجّلت ذبذبات في أوقات متزامنة مع تغيّر اتجاه الرياح، حتى داخل النفق المغلق.
الأسطورة المحلية تقول إن الأمير «إيفانثوس» أمر بنحت هذا الباب قبل أكثر من أربعة آلاف عام، ليكون معبره الشخصي بين عالم الأحياء و«الظل الكبير» – وهو مصطلح غامض في الميثولوجيا الإغريقية القديمة، يُعتقد أنه البُعد الذي تتجول فيه الأرواح بعد الموت.
المثير أن شهودًا من أهل القرية القريبة أقسموا أنهم رأوا أضواء خافتة تنبثق من الحجر في ليالي اكتمال القمر، وأن ظلالًا بشرية ظهرت ثم تلاشت… دون أن يقترب أحد.
اليوم، لا يُعرف إن كانت «بوابة الصمت» أثرًا معماريًا عبقريًا، أم تقنية مفقودة لفتح وعي الإنسان نحو أبعاد أخرى، أم أنها ببساطة وصية حجرية تركها ملوك الأمس لمَن يجرؤ على الفهم.
لكن المؤكد أن من يقف أمامها، يشعر بشيء يراقبه من الداخل… ويبتسم.