الرئيسيةمقالات الرأي

د. إبراهيم فاروق يكتب : جمع زيت الطعام المستعمل لإنتاج البيوديزل والتعرف على الأنماط الغذائية السائدة في مصر

 

بقلم د. إبراهيم فاروق

المدير العام لشركة بايوروتردام لاستشارات الطاقة  مستشار عمليات شركة باور جرين

هناك قصة حب وحالة عشق قديمة بين الانسان والزيت والدهن كــ طعام وكــ مصدر للطاقة استخدمه قديما في التدفئة ثم الطبخ والقلي والتحمير وصنع منه الصابون والمنظفات والدهانات والاعلاف، بل صنع منه الوقود الحيوي (البيوديزل) Biodiesel عندما احتاج الى وقود أخضر صديق للبيئة مستدام.

زيت الطعام بعد الاستعمال يصبح زيت طعام مستعمل Used Cooking Oil (UCO) وفي هذه الحالة يطلق عليه نفايات أو مخلفات وفي الحقيقة هو مادة خام لصناعات أخرى غير غذائية.

خلال عملي في صناعة الديزل الحيوي (البيوديزل) أحتاج الى مادة زيت الطعام المستعمل كـــ مادة خام، يوميا استقبل كميات متفاوتة من زيت الطعام المستعمل وهذا التفاوت يكون أحيانا في الكميات، أو الجودة، أو اللون، أو الريحة حسب المناطق وحسب أسلوب الاستخدام والنمط الغذائي، لأجل ذلك كتبت هذه المقالة حول انماط الغذائية السائدة في مصر من واقع زيت الطعام المستعمل.

جمع زيت الطعام المستعمل:

“بنشتري زيت الطعام المستعمل الكيلو ب 30 جنيه يا ست البيت خلي بالك زيت الطعام المستعمل ده ليه قيمة ماترميش الزيت … أحنا بتشتري زيت الطعام المستعمل الكيلوب30 يا ست البيت”

هذا الصوت نسمعه عدة مرات في الاسبوع من سريحة جمع الزيت في الشوارع ما يزيد عن 5 سنوات، ولكن السؤال المهم هنا أين يذهب زيت الطعام المستعمل؟

انتشرت شائعات كثيرة أنه عن طرق غش تجاري يقوم أناس معدومي الضمير بإعادة إحياء الزيت وتبيض لونه ليكون شكله يصلح للاستخدام الادمي وهو سم قاتل مسرطن وكانت هناك عدة ضبطيات لوزارة التموين في هذا الخصوص حرزت خلالها أماكن يتم فيها تدوير زيت الطعام المستعمل وبيعه على انه صالح للاستخدام.

وبعد أكثر من 20 سنة في هذا المجال، عندي قناعة ان هؤلاء الاشخاص هم في الحقيقة فئة قليلة جدا وان الكميات تجري عملية تبيضها هي كميات قليلة بالمقارنة بالكميات التي تستخدم استخدامات صناعية مثل صناعة الصابون والمنظفات والدهانات وصناعة البيوديزل موضوع خبرتي.

كالعادة محاولات الشهرة والشو الإعلامي والصحفي، أظهرت الغش التجاري على الصناعات المبنية على زيت الطعام (الاوليوكيمياويات) Oleochemicals مثل صناعة الصابون والمنظفات والدهانات والاحماض الدهنية والاعلاف والبيوديزل.

يضاف إلى ذلك أن هناك منافسة قوية جدا في جمع زيت الطعام المستعمل بين الصناعات سالفة الذكر وعلى مدار 40 سنة كان المعروض من زيت الطعام المستعمل أقل جدا من المطلوب بالشكل الذي جعله مادة رائجة وحيوية مما يوحي باعتقادات وخيالات حولها.

عند الحديث عن “جمع زيت الطعام المستعمل” لا يمكن أن نتجاهل أهم مراكز جمع زيت الطعام المستعمل وهي “مدينة طنطا” وكذلك “حي مصر القديمة” حيث يتواجد عشرات المخازن المتخصصة في جمع وتخزين وبيع زيت الطعام المستعمل بشكل احترافي وبكميات تجارية تشبه تجارة الجملة ويمكن أن أقول أن أغلب الكميات التي يتم جمعها من كافة أنحاء الجمهورية تصل إلى واحد من هذه المراكز ولهذا التركز أسباب يمكن مناقشتها بالتفصيل لاحقا لكن بشكل سريع يمكن الإشارة الى خبرات هذه المناطق في مجال صناعة الزيت والصابون والاوليوكيمياويات في فترة الستينيات حيث اشتهرت مصر بزراعة أنواع مختلفة من البذور الزيتية مثل الصويا ودوار الشمس والقطن والكتان وكانت هذه المناطق هي مناطق استخلاص الزيوت وإنتاج الصابون والاعلاف. ومع تغير الوقت أصبحت هذه الأماكن مراكز لجمع وتخزين ونقل زيت الطعام المستعمل.

بشكل عام يعتبر القليّ واحد من أهم العادات الغذائية في مصر ويتفق عليه كل طبقات المجتمع، فالطبقات ذات الدخل المتوسط والمرتفع تقلي أنواع مختلفة من مصنعات اللحوم مثل البيرجر والفراخ والاسماك والجمبري والطبقات الاجتماعية ذات الدخل المحدود تقلي أنواع مختلفة من النبات مثل البطاطس والبدنجان والكوسه والقرنبيط والفلفل

القلي الجائر:

كما يحدث في الصيد الجائر هناك عمليات القلي الجائر وفيه يتم القلي بشكل مبالغ في الزيت لعشرات المرات وفي درجات حرارة عالية مما يسبب في لون أسود للزيت ويسبب أضرار صحية وبيئية كبيرة لمن يأكله ويشتهر في ذلك محلات الطعمية والفلافل ومطاعم السمك لدرجة انه اشتهر كلمة “أنهم بيقلوا في زيت عربيات” للتعبير عن المبالغ في استخدام الزيت.

ملاحظاتي على زيت الطعام المستعمل القادم من المنازل:

معدل الاستهلاك السنوي للزيوت في مصر 24 لتر لكل فرد

البيوت بتستخدم زيت الصويا وزيت عباد الشمس والذرة وزيت النخيل بشكل اساسي كل صنف زيت لوحده او خليط والخليط منتشر اكتر

زيت الزيتون محدود الوجود لأسباب كثيرة منها سعره الغالي ومنها انه لا يصلح للقلي والتحمير لكن بيضاف على السلطة أو قلي البيض ف لا يبقى منه شيء.

في بعض المناطق فيه تواجد جيد للقلاية الهوائية بكميات زيت بسيطة جدا مقارنة بطريقة القلي بالغمر

أول الشهر كل الناس قالية سمك وجمبري أو حاجة بالفجيتار أو الفراخ المحمّرة في السمنة أو الزيت

نص الشهر كل الناس قالية بطاطس وبدنجان وكوسه وقرنبيط وفلفل

آخر الشهر القلي محدود شوية

ملاحظاتي على زيت الطعام المستعمل القادم من المطاعم والفنادق والكافيهات (هوريكا):

الفنادق تراعي المعايير الدولية فلا تستخدم الزيت الا مرات محدودة جدا لا تتجاوز الثلاث مرات في القلي

مطاعم الطعمية لايغير الزيت، بل يزيد عليه فقط !!! بكل أسف

مطاعم الكبدة والسجق بنفس الاسلوب في القلي

الشورتنيج والاولين Shortening & Olein(مشتقات زيت نخيلPalm Oil ) هي الغالب في الاستخدام في المطاعم لتحملها القلي في درجات حرارة عالية بالرغم من ضرره!!

 الكافيهات تقدم وجبات مقلية خفيفة ولذلك يكون زيت الطعام المستعمل ذو جودة عالية ومناسب لصناعة البيوديزل.

مطاعم ومحلات الكشري يقوم بقليّ “البصل” كأحد مكونات الكشري وتنتج كمية زيت مستعمل كبيرة بها عيب بسيطة وهو رائحة البصل وغالبا ما يكون خليط من الشورتنيج وعباد الشمس

مصانع الحلويات والحلواني:

تهتم بجودة الزيت ويتم القلي في زيت عباد شمس أو صويا أو خليط منهما ويكون القليّ بعدد مرات قليلة وفي درجات حرارة مقبولة وذلك يكون زيت الطعام المستعمل الناتج عن نشاطهم بحالة جيدة تجعله مادة خام ممتازة للصناعات غير الغذائية المبنية على الزيوت مثل الصابون والبيوديزل والدهانات وانتاج الاحماض الدهنية والاعلاف.

وأكثر هذه المصانع متواجدة في محافظة دمياط ومدينة طنطا ومدينة دسوق ومحافظة الاسكندرية وعدد من محافظات الوجه القبلي حيث تزدهر صناعة الحلويات المقلية مثل المشبك والبقلاوة ولقمة القاضي (الزلابية) وبلح الشام والقطايف في رمضان وأصابع زينب والبغاشة والكنافة المقلية (بورما) وغيرها مما يتم قليه وبعدها نقعه في شربات (ماء وسكر معقود على النار)

مصانع الشيبسي والمقرمشات ومصانع البطاطس النص قلية:

تزدهر صناعة البطاطس الشيبسي في مصر بشكل كبير ولها تاريخ طويل منذ دخول شركة لايز وشيبسي مصر وتتميز بأن الزيت الناتج عنها يكون تم القلي فيه عدد مرات قليلة ويكون في معزل عن الهواء مما يجعله يحتفظ بخواصه الفيزيائية والكيميائية وعادة ما تنتج هذه الشركات كميات كبيرة من الزيت المستعمل والسنوات الاخيرة قامت الشركات بتركيب خطوط انتاج الشيبسي بكميات قليلة من الزيت لأسباب اقتصادية وصحية غالبا ما تبيع هذه الشركات الزيت الناتج عنها من خلال عطاءات ومزادات للسعر الاعلى مرتين او ثلاث مرات سنويا

صناعة البطاطس النص مقلية: هي بطاطس تُقلى جزئيًا في المصنع قبل تعبئتها وتوزيعها، مما يسهل على المستهلكين إعدادها في المنزل أو في المطاعم بسرعة وسهولة. وهي مصدر مهم لزيت الطعام المستعمل وتنتشر هذه المصانع في كافة محافظات مصر وبخاصة بالقرب من أراضي زراعة البطاطس في محافظات الشرقية والجيزة والدقهلية والإسكندرية والبحيرة والمنوفية وبورسعيد والغربية والمنيا والوادي الجديد والتي يوجد بها أكبر مصنع في الشرق الاوسط لإنتاج البطاطس النصف مقلية بقدرة 12 طن في الساعة

صناعة المقرمشات: المقرمشات تُصنع مصنوعة من الحبوب، البطاطس، أو الذرة، ولها القوام المقرمش. صناعة المقرمشات تعتبر واحدة من الصناعات الغذائية الشعبية والمحبوبة على مستوى العالم، خاصة في مصر. وأنواع المقرمشات هي رقائق البطاطس، مقرمشات الذرة، المقرمشات الصحية، هذه الصناعة واحدة من أكثر الصناعات انتاجا للزيوت المستعملة ذات الجودة العالية.

خاتمة وتوصيات:

 وبعد يعد هذا المقال من دراسات علم الاجتماع البيئي والتي تعنى بالأنماط والسلوكيات الاجتماعية وعلاقتها بعناصر البيئة (الماء، والهواء، والتربة، والحيوان، والانسان) وعند الحديث عن النفايات والمخلفات وعلاقتها بالأنماط والأساليب الغذائية لدى الشعب المصري يجب أن ندرك أنها ربما تكون مصدر جيد للمعلومات واستنتاجات مفيدة في تطوير الخدمات الصحية والبيئية في المناطق المشار إليها.

 

د. إبراهيم فاروق

Ibrahim@BioRotterdam.com

 

 

زر الذهاب إلى الأعلى