الرئيسيةمقالات الرأي

د رمضان العوامي يكتب : ” الست ” عرض مصري جاء ضيف شرف فأمتلك قلوب جماهير المسرح المغاربي

بقلم : د رمضان العوامي

 شهدت فعاليات المونديال المغاربي للمسرح في مدينة البيضاء الليبية الذي أقيم خلال الأيام الماضية ، مشاركة لافتة ومتميزة لفرقة المسرح المصري، التي حلت ضيف شرف على الدورة الحالية من المهرجان، وتمكنت الفرقة من خطف الأضواء وسط إشادات جماهيرية ونقدية واسعة. سرعان ما عبرت عنها وسائل التواصل وتناقلت أصداء نجاحاتها ضيوف الدول المشاركة ، ما جعل مشاركتها إحدى أبرز محطات هذا الحدث الفني الكبير، وتقديم عرض استثنائي لمسرحية

الست… دراما موسيقية عن أسطورة الطرب في مساحة زمنية محدد تلك التي ارتبطت فيها فنيا بالموسيقار الفذ بليغ حمدي 

حمل العرض المسرحي عنوان “الست”، وهو عمل درامي موسيقي يعيد إلى الذاكرة سيرة كوكب الشرق أم كلثوم، ويتناول العلاقة التي جمعتها بالملحن الكبير بليغ حمدي الذي قدم لها احدي عشر لحنا ، وقدّم فريق العمل معالجة فنية درامية ركحية ذكية جمعت بين الأداء التمثيلي الحي والموسيقى والإضاءة والمؤثرات، في توليفة متكاملة تحافظت علي الأداء الحي لنجمة العمل نهلة خليل 

أثارالغرض إعجاب الجمهور وتزاحمت المشاعر وصدمت الجماهير التي وجدت نفسها أمام سيدة الغناء أم كلثوم من جديد 

 

فالعرض بلا ادني مبالغة أعاد الحياة إلى واحدة من أعمق العلاقات الفنية في تاريخ الطرب

ناصر عبد الحفيظ… بصمة إخراجية بارعة وكاتب يدرك جيدا المسافات بين سطور الكلمة في كتابة هذا النص الذي جاء مصحوبا في كتاب منظم يسرد محطات فرقته ويوثق النص المكتوب ليجده الجمهور مكتوبا في كتاب بالرؤية الإخراجية وظاهرا أمامه علي خشبة المسرح 

 

جاء العرض تحت قيادة المخرج المسرحي المعروف الأستاذ ناصر عبد الحفيظ، الذي استطاع أن ينسج خيوط المسرحية بمهارة فنية عالية ، فقد أدار المشاهد بدقة، ونجح في خلق توازن فني بين المشاهد الدرامية والغنائية، وساهمت رؤيته الإخراجية في إبراز العمق النفسي للشخصيات، وفي مقدمتها شخصية “الست”، في مشهدية مسرحية راقية تُحسب لتاريخ المسرح المصري

 

تألق نسائي لافت… نهلة خليل 

لفتت الفنانة نهلة خليلل الأنظار بأدائها المتمكن في تجسيد شخصية أم كلثوم، حيث استطاعت أن تنقل الإحساس والهيبة والانفعالات الدقيقة والمقاطع الغنائية التي صاحبت الشخصية طوال العرض، ونجحت في التفاعل مع الجمهور بلغة فنية رشيقة باذخة.

أحمد رحومة… عمق درامي وتجسيد قوي

قدم الفنان أحمد رحومة أداءً مميزًا يعكس رصانته وخبرته الفنية فأضفى على العرض ثباتًا وانضباطًا كبيرًا، أسهم في ضبط الإيقاع العام للمسرحية وخلق توازن بصري ودرامي في كل المشاهد فكان يدير تنفيذ رؤية المخرج خلف الكواليس بدقة خبير 

 

إسلام ماكي… روح شبابية وإبداع متجدد

تألّق الفنان إسلام ماكي في تقديمه للموسيقى المصاحبة للوصلات الغنائية جعلت منه أحد مفاتيح نجاح العرض خاصة وان الشفرات التي كانت بينه وبين البطلة جعلت العرض اكثر تجاوبا وحضورا بين الجمهور والخشبة ، أضفى ماكي طاقة عالية للمسرحية، واستطاع أن يربط الجمهور بالنص واللحن ويعزز من الإيقاع العام، مؤكداً على موهبته الفنية وقدرته على التنقل بين المشاهد بانسيابية تامة.

 

ميادة … ومساعدة المخرج 

تمكنت الفنانة – ميادة – ببراعة من ضبط إيقاع المسرحية كما نسقه المخرج ، وبذلت جهدا يحسب لها في هذا المجال، كما استطاعت في الوقت نفسه التفاعل مع الكاميرا و توثيق المقاطع للمشاهد الهامة من العرض 

عناصر فنية مكتملة: إضاءة، مؤثرات، ديكور

تميز عرض “الست” بكمال العناصر التقنية، حيث لعبت الإضاءة دورًا أساسيًا في التعبير عن التحولات النفسية والمكانية، واكتملت الصورة البصرية بالمؤثرات الصوتية والموسيقية، فيما لم يلحظ الجمهور غياب الديكور المسرحي وعوضت الموسيقي والإضاءه التنقلات الزمانية والمكانية بدقة شديدة لتكشف حقبة زمنية غنية بالتفاصيل، مما عزز الإحساس بالواقعية المتخيلة وأعاد الجمهور إلى زمن الفن الجميل

إشادة جماهيرية ونقدية واسعة

نال العرض ترحيبًا كبيرًا من جمهور مدينة البيضاء، كبارا وصغارا شبابا وشيوخا وكان الجمهور الذي ملأ قاعة العرض دائم التعبير عن انسجامه بالإنصات والصمت تارة وبالتصفيق الحار والصياح تعبيرا عن الإعجاب تارة اخري ووقف مصفقًا لأداء الفرقة في ختام العرض مدة طويلة تكشف عن وقوعه اسيرًا لهذا السحر الذي قدمته فرقة المسرح المصري ، كما أعرب العديد من النقاد والفنانين الذين حضروا عن إعجابهم بالعمل، ووصفوه بأنه تحفة مسرحية متكاملة، تستحق الوقوف عندها كنموذج مشرّف لتجارب المسرح المصري المعاصر

 

المسرح المصري… ريادة متجددة

أكدت فرقة المسرح المصري من خلال مشاركتها في المونديال المغاربي بالبيضاء أن المسرح المصري لا يزال يحتفظ بريادته، وقادر على تقديم عروض فنية راقية تليق بتاريخه العريق ، وحملت مسرحية “الست” رسالة فنية وإنسانية، تُجدد الوفاء لرموز الفن المصري، وتعكس في الوقت نفسه قدرة الفنان المصري على التجديد والابتكار والبقاء في قلب المشهد الثقافي عالميا.

 

 

 

في الختام .

بقدر إعجابنا ودهشتنا تجاه هذا العمل الفني الكبير ، فإننا في الوقت نفس لابد ان نعي جيدا انه هكذا هو فن مصر ، فهذه الفرقة المتناغمة في أدائها الانسيابي اللذيذ الذي جاء كانسياب نهرها الخالد ،وبشموخ كشموخ الهرم ، قدمت من ارض الكنانة ، جاءت من ارض الحضارة والتاريخ ، من ارض العظماء عبر الدهور ،عظماء بحضارة علمت البشرية وأخرجتها من دياجير الظلام الى النور ، بعلومها وفنونها ونقائها وطيب عطائها ، إنها مصر العظيمة ، ارض القامات التي لا تبيدها الدهور ، ارض أبطال التاريخ والفنون والاداب ، منذ ما قبل زمن موحد الوجهين الملك – مينا- الى يوم الناس هذا ، مصر التي يعشقها كل قلب نقئ سليم ويهفو لها على نحو روحاني ، وتشتقاها كل نفس طيبة الطينة ، مصر التي لا تشبهها أية بقعة من بقاع العالم … إنها مصر موطن الخير الحب والسلام .

فكيف والأمر هكذا ان لا تتميز ولا تتفوق هذه الفرقة ؟

دام الإبداع أيها المبدعون ودام فنكم وتألقكم المصري الأصيل … ودامت مصر بعزة وخير وسلام …. وتحيا مصر … تحيا مصر ..تحيا مصر

 

د. رمضان العوامي – باحث مستقل في حضارة مصر القديمة

الجبل الأخضر – البيضاء

ليبيــــــــــــــا

زر الذهاب إلى الأعلى