د. شيرين العدوي: رحلة في عالم 2049… قراءة في صعود التنين (الجزء الأول)
هل تخيّلت يومًا أنك تحاول الإفلات من قبضة تنين حقيقي، ثم تدرك أن المقاومة لا تجدي، فتسلّم بأن اللعبة أطول وأعمق مما تبدو؟
بهذا التصوير الأخّاذ يأخذنا اللواء أ.ح. د. أحمد البديوي في كتابه «2049 عام هيمنة التنين»، حيث يفتح بوابة واسعة لفهم مشروع الصعود الصيني ورمزيته الدائمة. فالتنين في الوجدان الصيني ليس مجرد كائن أسطوري، بل رمز للحكمة والقوة والخصوبة والسلطة، حتى إن الأباطرة كانوا يُلقَّبون بـ«أبناء التنين».
يضعنا البديوي أمام نموذج مكتمل لتفسير الهيمنة، ويُدخلنا في لعبة الحضارة التي تخوضها الصين بثبات وصبر طويل.
منذ بدايات التاريخ تصعد حضارات وتتهاوى أخرى، وقد اتفق ابن خلدون في «المقدمة» وأرنولد توينبي في «دراسة للتاريخ» على أربعة عوامل رئيسية تقوم عليها الأمم وتنهض بها:
أولًا: العامل الجغرافي والبيئي
تتمتع الصين بثروة حيوية من المعادن النادرة التي تعتمد عليها الصناعات العالمية، إذ تستورد الولايات المتحدة وحدها 72% من احتياجاتها من الصين، لاستخدامها في الصناعات الاستراتيجية مثل البطاريات والمغناطيسيات عالية الكفاءة والمحولات الحفّازة.
وإلى جانب ذلك يدرك الصينيون القيمة الجيوسياسية الفريدة لبحر الصين الجنوبى، الذي يربطهم بجنوب شرق آسيا والهند ثم أوروبا، ويحمل ثلث تجارة الشحن البحري عالميًا، بقيمة تتجاوز 3.3 تريليون دولار سنويًا، فضلًا عن أنه مصدر 80% من واردات الطاقة للصين.
وتحت مياهه تختبئ كنوز ضخمة من النفط والغاز. ورغم تنازع ست دول عليه، فقد استطاعت الصين بمهارة أن تمزج بين النفوذ الاقتصادي والاستثمار والبنية التحتية بتكتيك محسوب يرسّخ حضورها في المنطقة.
ثانيًا: العامل الاقتصادي (فائض الإنتاج)
تشكل الصين 32% من إجمالي الإنتاج الصناعي العالمي. وبعد عام 2025 وحتى نوفمبر الماضي فقط، تجاوز فائض الإنتاج لديها تريليون دولار بالفعل، مسجلًا 1.08 تريليون دولار، ما يعكس قدرة غير مسبوقة على ضخ السلع وتوجيه الأسواق وفق مصالحها.
ثالثًا: العامل السياسي والاجتماعي
تجلّت نظرية “التحدي والاستجابة” لتوينبي في التجربة الصينية بوضوح. ففي 1949، عقب الحرب العالمية الثانية، أعلن ماو تسي تونغ نهاية «قرن الإذلال» بانتصار الحزب الشيوعي.
ومنذ ذلك الحين بنت الصين نموذجًا اقتصاديًا خاصًا بها، يجمع بين آليات السوق وبين السيطرة السياسية المركزية، وفي الوقت نفسه صهرت قواها الاجتماعية في هوية وطنية واحدة، أقرب إلى «العصبية» التي تحدث عنها ابن خلدون.
ولم يكن مشروع “الحزام والطريق” سوى ذراع جيوسياسي يمدّ تأثير الصين عبر آسيا وإفريقيا وأوروبا.
رابعًا: العامل الفكري والروحي
تمتلك الصين رصيدًا حضاريًا وفكريًا عريقًا مكّنها من استعادة دورها التاريخي، إذ سبق لها أن قادت العالم بفكرها وفنونها ونظمها.
يحمل كتاب البديوي من الغلاف إلى الخاتمة سلسلة من الأسئلة التي تشبه الشفرات، أسئلة ترى في الصين طائر العنقاء الذي نهض من رماد محنه ليعود أكثر قوة. يبدأ بالسؤال: هل وضعت حرب أوكرانيا الصين على قمة العالم؟ وينتهي بالسؤال الأصعب: وماذا عنّا نحن؟
صدر الكتاب حديثًا عن دار سما للنشر، ممزوجًا بخبرة عسكرية ومعزّزًا بوثائق ومراجع رصينة، وسيكون متاحًا للجمهور في معرض القاهرة الدولي للكتاب.
أما كيف أعاد التنين تشكيل العالم؟ فذلك ما سيأتي في الحلقات المقبلة.




