د عادل عامر يكتب : اثر حرب إيران وإسرائيل على الخليج العربي والنفط العالمى

بقلم الدكتور عادل عامر
إن الحرب بين إيران وإسرائيل باتت تشكّل منعطفا خطيرا بالمنطقة، وسط مؤشرات على اتساع رقعتها وتهديدها المباشر لحياة الناس واستقرار دول الإقليم، أن الرد الإيراني غير المسبوق، والذي استهدف العمق الإسرائيلي بعشرات الصواريخ، أظهر تحول المواجهة من مجرد عمليات محدودة إلى ما يبدو أنه بداية لحرب فعلية، منبها إلى أن الانعكاسات الفورية لهذا الصراع بدأت تظهر في غلق أجواء 5 دول وتعطيل النشاط الاقتصادي.
أن فشل إسرائيل في كبح جماح طموحاتها في المنطقة، وامتلاكها القدرة على استخدام القوة دون ضوابط، سيعرّض دولا أخرى في الإقليم إلى مصير مشابه لما يُراد لإيران، في ظل خطاب سياسي إسرائيلي يعتبر بعض دول المنطقة كيانات قابلة للتفتيت والإزاحة.
أن اتساع رقعة القصف قد يشمل مدنا وعواصم في المنطقة، وأن احتمالية دخول الولايات المتحدة على خط المواجهة قائمة، رغم محاولاتها التحفظ على المشاركة المباشرة. وفي حال تحقق ذلك، فإن قواعدها ومصالحها في المنطقة ستكون عرضة للاستهداف، سواء من إيران نفسها أو من حلفائها الإقليميين. أن الخليج العربي يشكّل شريانا نفطيا حيويا للعالم، وأن غلق مضيق هرمز -وهو أمر متوقع إذا استمر التصعيد- قد يحرم الأسواق العالمية من نحو 60% من الإمدادات، فضلا عن احتمالية تعرض منشآت نفطية ومرافق للطاقة إلى ضربات مباشرة، مما يهدد بانفجار أزمة اقتصادية عالمية. أن الهدف الإسرائيلي لم يعد يقتصر على تحجيم القدرات الإيرانية،
بل يمتد إلى محاولة إسقاط النظام في طهران، واعتبر أن هذا التوجه خطير، لأنه سيفتح الباب أمام سيناريوهات صراع داخلي وانهيارات محتملة، في حال تمكّنت إسرائيل من تحقيق هذا الهدف بدعم غربي.
إن قدرات الطرفين على الصمود والتصعيد تجعل من الصعب التنبؤ بنهاية قريبة للصراع، مرجحا أن تستمر العمليات ما لم يُمارس ضغط دولي وإقليمي حاسم على الطرفين. لان إيران تسعى لتحقيق ردع واضح ومؤثر، إذ إن مجرد إطلاق الصواريخ لا يكفي في حسابات صورتها أمام شعبها والعالم.
أن طهران قد تكون مضطرة للانكفاء مؤقتا، خصوصا مع ضغوط الساحة السورية واللبنانية، إلا أن هذه الضربات المتتالية ستدفعها للرد مجددا قبل التوقف، حفاظا على هيبتها،
أن إيران دولة كبيرة ومحورية وتتمتع باعتزاز وطني وإثني كبير، ولديها قدرات حقيقية على المواجهة، لان الذهاب إلى النهاية في هذه الحرب ليس مستبعدا من جانب طهران، في ظل ما تعتبره ضرورة للردع والحفاظ على الكرامة السيادية أمام الداخل والخارج.
وفي حين تواصل إسرائيل تحليق طائراتها وقصف أهداف في العمق الإيراني، كشفت وسائل إعلام عن تعرض مبنى وزارة الدفاع الإسرائيلية في “الكرياه” لأضرار بالغة، في وقت لا تزال فيه حالة الطوارئ مفروضة على كامل الأراضي الإسرائيلية، ما يزيد المشهد الإقليمي تعقيدا ويهدد بانفجار واسع النطاق. إن حجم الضربات واختيار إسرائيل لأهدافها وكلمات ساستها أنفسهم تشير إلى هدف آخر أطول أمدا وهو إسقاط النظام نفسه. أن هدف إسرائيل هو إزالة التهديد الناجم عن الأنشطة النووية والصواريخ الباليستية، لكنه تابع قائلا “نحقق هدفنا وفي الوقت نفسه نمهد الطريق لكم أيضا من أجل تحقيق حريتكم”. لقد أثبت التاريخ أن إسرائيل قد بدأت حرباً مراراً بجرائمه، لكن الأدلة تشير إلى أن الجمهورية الإسلامية تنوي هذه المرة تعريض هذا النظام المجرم وأنصاره لمصيرها المشؤوم”.
أن هذه المراكز كانت تضم طائرات “إف-35”، و”إف-15”، وطائرات النقل للتزود بالوقود جواً، بالإضافة إلى مركز قيادة وتحكم وحرب إلكترونية، وكانت تُستخدم كمنصات للهجوم على إيران، وقد تم استهدافها خلال العملية
ففي أعقاب الضربات الجوية الإسرائيلية، والرد الصاروخي الإيراني المباشر، دخلت المنطقة في دوامة تصعيد غير مسبوقة، خلَّفت بالفعل آثارًا على أسواق النفط والطاقة وسلاسل الإمداد وثقة المستثمرين. وتأسيسًا على ما سبق، يتطرق هذا التحليل إلى التعرف على عمق الصراع الإسرائيلي الإيراني، فضلاً عن الآثار الاقتصادية المترتبة عليه، خاصة على منطقة الشرق الأوسط.
مدى تضرر العمق الداخلي: أحدث الهجوم الإسرائيلي أضرارًا في العمق الإيراني، ففي المنشآت النووية تم تدمير الهياكل السطحية في محطة نطنز للأبحاث وتخصيب الوقود، فضلًا عن التضرُر الجزئي لمركز التخصيب “فوردو”، وبالإضافة إلى ذلك تدمرت مواقع دفاع الجو الرئيسية (رادارات S300 وS200) في همدان وأصفهان وكرمانشاه، فضلًا عن تدير منشآت إنتاج خلط الوقود الصلب في بارشين وخوجير وأماكن أخرى، وتدمير منشآت تابعة للحرس الثوري، ومخاذن ذخيرة، وقاعدة طائرات في تبريز، وبالإضافة إلى عدة هجمات إسرائيلية على حظيرة المقاتلات الإيرانية بمطار مهر أباد الدولي في العاصمة طهران.
وفي إسرائيل، اخترقت صواريخ فرط الصوت الإيرانية قلب تل أبيب رغم وجود 3 طبقات دفاع إسرائيلية، وأصابت الضربات أحد المستشفيات، وقاعدتين عسكريتين، وأضرار خفيفة في أحد مخازن الذخيرة، فضلًا عن دمار واسع في المباني السكنية، وعلى الرغم أن الدمار في إسرائيل محدود، ولكن الهجوم الإيراني شهد تغيرًا نوعيًا في الدخول إلى العمق الإسرائيلي وإحداث أضرار به.
تكلفة الهجوم: تُقدر تكلفة الصواريخ والطائرات الإيرانية المستخدمة ضد إسرائيل حتى وقت كتابة التحليل بنحو 100 إلى أكثر من 200 مليون دولار، فضلاً عن تقديرات تتراوح من 0.5 إلى 1 مليار دولار؛ لإصلاح وإعادة بناء منشآت إيرانية، وعلى الجانب الإسرائيلي تتضمن تكلفة الدفاعات نحو 1 مليار دولار لكل ليلة، فضلًا عن الخسائر في البنية التحتية، وهو الأمر الذي يوضح حجم الخسائر الكبير في هذه الهجمات.
ومن هنا، يُمكن القول إن العمق الذي تم توضيحه للصراع بين إسرائيل وإيران، يُرجح أن الأزمة الحالية ليست بالعابرة، ولكن سيكون لها آثار اقتصادية كبيرة على العالم بشكل عام، وعلى منطقة الشرق الأوسط بشكل خاص.
إن الحرب “ستمتد في الأيام المقبلة إلى جميع المناطق التي يحتلها هذا النظام (الإسرائيلي) والقواعد الأمريكية في المنطقة“.ويأتي التهديد بحرب أوسع نطاقاً في وقت تواصل فيه إيران وإسرائيل تبادل الضربات، اليوم، بعد أن شنت إسرائيل أكبر هجوم جوي على الإطلاق على إيران، في محاولة لمنعها من تطوير سلاح نووي. قفزت أسعار خام برنت، خلال تعاملات الأول من أكتوبر، بنسبة 5 بالمئة، وأصبحت أسواق الطاقة العالمية في حالة من التوتر بعد أن شنت إيران هجوما صاروخيا جديدا على إسرائيل، مما أثار مخاوف من تصعيد إقليمي كبير وصراع مباشر بين إسرائيل وإيران.
أن جميع الأمور تعتمد على التطورات العسكرية المرتقبة في الساعات المقبلة. وفي حال توسعت المواجهة إلى حرب شاملة، فقد تتغير الصورة تمامًا، مما قد يؤدي إلى ارتفاع الأسعار مع تزايد المخاطر. وتساءل حول ما إذا كانت البنية التحتية للإنتاج والتصدير في مصر والأردن ستتعرض للضرر بشكل أو بآخر.
سيكون التأثير السلبي كبيرًا وخطيرًا. ومن جهة أخرى، إذا اندلعت حرب لفترة طويلة، قد تضطر إسرائيل إلى الاحتفاظ بكميات كبيرة من الغاز لتلبية احتياجاتها المحلية.
وهذا يتطلب تفعيل حالة القوة القاهرة في أي ظرف استثنائي خارج سيطرة الدولة المصدرة للغاز، مما يعني تخفيض أو إيقاف التصدير كليًا لفترة معينة. ومع ذلك، أننا لم نصل بعد إلى هذه المرحلة، لذا من المبكر الخوض في تفاصيل هذا الموضوع قبل التأكد من الوضع الميداني.
الدكتور عادل عامر
دكتور القانون العام والاقتصاد الدولي
ومدير مركز المصريين للدراسات بمصر ومحكم دولي معتمد بمركز جنيف للتحكيم الدولي التجاري
وعضو ومحاضر بالمعهد العربي الأوربي للدراسات السياسية والاستراتيجية بفرنسا