منوعات

رفيده سالم… معمارية مصرية تعيد إحياء العمارة الإسلامية بروح معاصرة

 

دعاء زكريا

تشكل المعمارية والباحثة رفيده سالم إحدى الشخصيات البارزة في المشهد المعماري المعاصر، حيث نجحت في بناء مسار مهني يجمع بين البحث الأكاديمي، والابتكار التصميمي، والحفاظ على الهوية الثقافية. درست العمارة في جامعة Westminster في لندن، وحصلت على درجة الماجستير في التصميم البيئي عام 2018، وتتابع حاليًا دراستها لنيل درجة الدكتوراه في الجامعة نفسها، حول إعادة تفسير المشربية كنظام تبريد خزفي مستدام مستوحى من العمارة الإسلامية.
منذ بداياتها، انشغلت رفيده بتطوير رؤية معمارية تربط بين الفكر البيئي والروح الإسلامية، ساعية إلى إعادة صياغة العلاقة بين الإنسان والمكان في ظل التحولات المناخية والثقافية التي يشهدها العالم العربي.

بين فلسطين والسعودية… عمارة تتنفس من البيئة
من أبرز مشاريعها الدولية مشاركتها في تصميم متحف فلسطين للتاريخ الطبيعي، بالتعاون مع مكتب NG Architects وجامعة بيت لحم.
ساهمت رفيده في تطوير المفهوم البيئي للمشروع من خلال تصميم واجهات خزفية مبرّدة تعمل على خلق مناخات دقيقة داخل المتحف، مستلهمة مبدأ المشربية التقليدية بأسلوب علمي معاصر. وقد أثبتت تجاربها المعملية كفاءة النظام في التبريد السلبي وتحسين جودة الهواء الداخلي.
حظي المشروع باهتمام واسع من المؤسسات الأكاديمية والمعمارية العالمية، من بينها المعهد الملكي البريطاني للمعماريين (RIBA)، ونُشر في Architectural Record تقديرًا لدوره في دمج العمارة البيئية بالهوية الثقافية الفلسطينية.
في المملكة العربية السعودية، شاركت رفيده في عدد من المشاريع المميزة بالتعاون مع وزارة البيئة والمياه والزراعة ومكتب البرهين للاستشارات الهندسية، من بينها تصميم فندق خمس نجوم في مدينة أبها.
أشرفت على تطوير الواجهات والزخارف الداخلية المستوحاة من عمارة منطقة عسير، ودمج العناصر الإسلامية في تصميم معاصر يراعي الاستدامة المناخية ويحتفي بالهوية المحلية.
كما تولت رفيده الإشراف على تصميم مسجد البشرى في أبها، الذي حاز على جائزة أفضل تصميم وابتكار معماري في معرض CAMİ YAPI EKİPMANLARI FUARI بإسطنبول عام 2024.
يمثل المسجد نموذجًا فريدًا يجمع بين الفن الحرفي الإسلامي من الخشب والخزف، وبين حلول تصميمية بيئية تسهم في تحسين الإضاءة والتهوية الطبيعية داخل الفضاءات الدينية.

مشاريع تعكس الوعي بالهوية والبيئة
في المملكة المتحدة، شاركت رفيده في مشروع تحويل مبنى قديم في شرق لندن إلى وحدات سكنية حديثة بالتعاون مع NG Architects.
تمت إعادة إحياء المبنى من خلال إدخال أنظمة تهوية طبيعية، وحديقة سطحية خضراء، واستراتيجيات ضوئية مدروسة، ما أهّله للحصول على تصنيف Code for Sustainable Homes – Level 3.
يُعد المشروع مثالًا على التصميم الذي يوازن بين التجديد العمراني والاستدامة المجتمعية ضمن نسيج متنوع ثقافيًا.
وفي مسارها المهني، ساهمت رفيده في عدد من المشاريع ذات الطابع الديني والثقافي التي تُعلي من قيمة الهوية الإسلامية والبيئية، من بينها مشاركاتها في تصميم مساجد ومراكز مجتمعية في مصر والسعودية، والتي حظيت باعتراف محلي ودولي في مجالات التصميم الإنساني والمناخي.

من البحث الأكاديمي إلى التأثير الثقافي
تجمع رفيده بين عملها المعماري ومساهمتها الأكاديمية كباحثة وعضو هيئة تدريس في جامعة Westminster، حيث تشارك في تدريس برامج العمارة للبكالوريوس والماجستير، كما نُشرت أعمالها في كتالوجات الجامعة الأكاديمية MORE وOPEN.
وهي أيضًا خبيرة مؤلفة في العمارة الإسلامية بمنصة Abiya.ae، حيث تنشر مقالات بحثية تربط بين التراث الإسلامي ومناهج التصميم الحديثة.
تركز أبحاثها على العلاقة بين المواد الطبيعية، والاستجابات المناخية، وإحياء الحرف التقليدية كوسائل لبناء مستقبل معماري مستدام يمتد من الشرق الأوسط إلى أوروبا.

رؤية تجمع بين الأصالة والابتكار
من خلال مسيرتها الممتدة بين القاهرة ولندن وأبها وبيت لحم، أثبتت رفيده سالم أن العمارة يمكن أن تكون لغة مشتركة تجمع بين الهوية الثقافية والاستدامة البيئية.
فهي لا ترى العمارة كمنتج بصري فحسب، بل كمنظومة فكرية تربط الإنسان ببيئته وتعيد تعريف العلاقة بين التراث والتكنولوجيا.
تسعى رفيده من خلال أبحاثها ومشاريعها إلى ترسيخ حضور العمارة الإسلامية في المشهد العالمي المعاصر، بوصفها عمارة حية قادرة على الإبداع والتجدد دون أن تفقد جذورها الأصيلة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى