
محمود الشاذلي
في توقيت مثير للشكوك، وبساعات قليلة قبل انطلاق قمة الدوحة، وجه كل من وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو رسائل واضحة لدول المنطقة، محملة بالتهديدات المباشرة وغير المباشرة. هذه التصريحات تثير تساؤلات جوهرية حول طبيعة الموقف العربي الرسمي وحقيقة الدعم المقدم للشعب الفلسطيني.
رسائل التهديد المباشر
استخدم روبيو ونتنياهو لهجة حادة لا تخفي نواياها العدوانية. فبينما يتحدث روبيو عن “تدمير حماس” و”عدم قبول امتلاك إيران للسلاح النووي”، يؤكد نتنياهو أن “هزيمة حماس أمر لا مفر منه” ويتباهى بـ”القرارات المستقلة” لقصف قادة المقاومة.
إلى متى ستظل بعض الدول العربية تتعامل مع التصريحات الأمريكية والإسرائيلية ببرود، وكأنها لا تستهدف المنطقة بأكملها؟
هذه التصريحات ليست موجهة فقط للمقاومة الفلسطينية، بل هي رسالة واضحة لكل دولة في المنطقة: إما القبول بالهيمنة الأمريكية-الإسرائيلية أو مواجهة العواقب.
لماذا تُركت غزة وحدها في مواجهة آلة الحرب الإسرائيلية، بينما البيانات العربية الرسمية لا تتجاوز حدود الإدانة؟
منذ بداية العدوان، والشعب الفلسطيني يقاتل وحده، بينما تكتفي معظم الحكومات العربية بإصدار بيانات الشجب والاستنكار التي لم تعد تخدع أحداً.
من المستفيد من تحويل المقاومة الفلسطينية إلى “تهديد إرهابي” بينما الاحتلال هو صاحب القوة العسكرية والنووية؟
يستخدم الخطاب الأمريكي-الإسرائيلي استراتيجية واضحة: تصوير المقاوم كإرهابي والمحتل كضحية. هذا التشويه المتعمد للحقائق يجد صدى لدى بعض الأنظمة العربية التي تفضل الصمت على المواجهة.
لماذا تُستخدم لغة “التحذير من إيران” كغطاء لتبرير التحالف مع إسرائيل، بينما العدو الحقيقي هو من يحتل فلسطين؟
الحديث المستمر عن “التهديد الإيراني” أصبح ذريعة لتبرير التطبيع والتحالف مع الكيان الصهيوني، متجاهلاً أن العدو الحقيقي هو من يحتل الأرض ويقتل الأطفال في غزة.
هل يعكس صمت بعض الحكومات العربية موقف شعوبها، أم أن الشعوب تملك رأياً آخر؟
الهوة واضحة بين الشارع العربي الغاضب والحكومات الصامتة. بينما تنتفض الشعوب دعماً لفلسطين، تبقى قرارات السلطة محكومة بحسابات أخرى.
أين موقع الجامعة العربية من كل ما يجري؟ وهل أصبحت مجرد شاهد على الأحداث؟
الجامعة العربية، التي كان من المفترض أن تكون صوت العرب الموحد، تبدو اليوم كمؤسسة عاجزة عن اتخاذ أي موقف فعال يتجاوز البيانات الورقية.
من يقف مع فلسطين حقاً؟
في ظل التخاذل الرسمي، تبرز قوى شعبية وحركات مقاومة في لبنان واليمن وأماكن أخرى كنماذج حقيقية للدعم العملي للقضية الفلسطينية. هذه القوى تدفع ثمناً باهظاً لكنها تثبت أن الدعم الحقيقي يأتي من الإرادة الشعبية وليس من القرارات السياسية.
هل تعكس تصريحات روبيو ونتنياهو رسالة إلى الفلسطينيين فقط، أم تهديداً مباشراً لدول الخليج أيضاً؟
توقيت هذه التصريحات قبل قمة الدوحة ليس مصادفة. إنها رسالة واضحة لدول الخليج: لا مجال للمناورة أو التردد في دعم السياسات الأمريكية-الإسرائيلية.
ألا تكشف هذه التصريحات أن واشنطن وتل أبيب تتعاملان مع المنطقة ككل باعتبارها مجال نفوذ، بينما العرب يتعاملون مع القضايا بارتباك؟
المنطق الأمريكي-الإسرائيلي واضح ومحدد الأهداف، بينما يبدو الموقف العربي الرسمي متخبطاً بين الضغوط الشعبية والحسابات السياسية.
السؤال الأهم: كيف المخرج؟
الإجابة تكمن في الاعتماد على المقاومة الشعبية الحقيقية والقوى التي أثبتت جدارتها في الميدان. فبينما تتراجع الحكومات، تتقدم الشعوب والحركات المقاومة لتحمل المسؤولية.
فلسطين اليوم تُترك وحدها في مواجهة أقوى الآلات العسكرية، ليس فقط من قبل العدو الصهيوني، بل من خلال التخاذل العربي الرسمي المتواصل. لكن التاريخ يعلمنا أن الشعوب عندما تنتفض، فإنها قادرة على تغيير معادلات لم تستطع الحكومات تغييرها.
كيف يمكن للفلسطينيين أن يحققوا حقوقهم المشروعة
الدعم الحقيقي لفلسطين اليوم لا يأتي من القصور والمكاتب الرسمية، بل من الشوارع والميادين ومن كل صوت حر يرفض الانحناء للهيمنة. وهنا تكمن قوة فلسطين الحقيقية: في شعب لا ينكسر، وفي مقاومة لا تستسلم، وفي أحرار العالم الذين يقفون معها.