عرب وعالم

زهران ممداني يتحدى الإسلاموفوبيا في نيويورك

في خضم واحدة من أكثر الحملات الانتخابية جدلاً في تاريخ مدينة نيويورك الحديث، أعلن المرشح الديمقراطي زهران ممداني، المسلم من أصول هندية، تمسكه العلني بهويته الدينية، متحدياً ما وصفه بـ«التحريض العنصري» الذي يتعرض له من خصومه السياسيين، وعلى رأسهم الحاكم السابق أندرو كومو والعمدة الحالي إريك آدامز.

وجاءت كلماته العاطفية في مشهد مؤثر أمام مسجد في حي «برونكس»، حيث وقف ممداني محاطاً برجال دين ومواطنين من الجالية الإسلامية، ليقول بصوت مرتجف:

«لن أبحث عن ذاتي في الظلال بعد الآن… سأجد نفسي في النور».

وينتمي ممداني إلى الجناح التقدمي داخل الحزب الديمقراطي، ويُعرف بمواقفه اليسارية الداعمة للعدالة الاجتماعية وحقوق الأقليات.


وهو ابن لمهاجرين من أوغندا من أصول هندية، وسبق أن فاز بمقعد في مجلس ولاية نيويورك عام 2020، ليصبح أحد الأصوات البارزة التي تمثل المسلمين والسود في العمل السياسي الأمريكي.

لكن دخوله سباق عمدة نيويورك 2025 وضعه في مواجهة مباشرة مع مؤسسات الحزب التقليدية، خصوصاً بعد انتقاده الصريح لإسرائيل خلال حربها الأخيرة على غزة، حيث وصفها بأنها «ترتكب إبادة جماعية بحق الفلسطينيين».

هذا الموقف جعله هدفاً لهجمات إعلامية وسياسية متصاعدة من شخصيات نافذة مثل أندرو كومو وكيرتس سليوا، اللذين اتهماه بـ«التطرف» و«التحريض».

في الأيام الأخيرة، تصاعدت حدة الخطاب ضد ممداني إلى مستوى غير مسبوق، بعدما بثّ فريق كومو عبر مواقع التواصل مقطع فيديو يظهر فيه ممداني وهو يأكل الأرز بيده، واصفاً أنصاره بـ«المجرمين» — قبل أن يُحذف الفيديو لاحقاً بزعم أنه نُشر «عن طريق الخطأ».


كما ظهر كومو في مقابلة إذاعية مع الإعلامي المحافظ سيد روزنبرغ، الذي لمح إلى أن ممداني قد «يشجع» هجوماً جديداً على غرار 11 سبتمبر، وردّ كومو ضاحكاً: «هذه مشكلة أخرى» — ما أثار غضباً واسعاً في الأوساط الليبرالية.

وفي فعالية دعم لكومو، ألمح العمدة الحالي إريك آدامز إلى أن «خطر الإرهاب في نيويورك سيزداد» إذا فاز ممداني بالمنصب، من دون أن يقدم تفسيراً لذلك التصريح المثير للجدل.

رد ممداني على تلك الهجمات بنبرة قوية ولكن هادئة، قائلاً: «لقد طُلب منا نحن المسلمين أن نخفي من نحن، أن نخفض أصواتنا، وأن نرضى بالقليل من الاحترام… لكني أقول اليوم: لن أختبئ بعد الآن».

وأضاف بأنه في بداية حملته حاول تجنّب الحديث كثيراً عن ديانته ظناً منه أن ذلك سيسمح له بـ«التركيز على القضايا العامة» مثل السكن والرعاية الصحية، لكنه أدرك لاحقاً أن «الصمت أمام العنصرية يُعتبر تواطؤاً».
وأكد أنه سيواصل حملته «باسم كل من يشعر أنه غير مرئي أو غير مرحب به في هذه المدينة».

انقسمت الآراء داخل الحزب الديمقراطي بشأن ممداني؛ فبينما أيد عدد من النواب التقدميين حملته، مثل النائبة ألكساندريا أوكاسيو كورتيز وزعيم الأقلية في مجلس النواب حكيم جيفريز، التزم آخرون الصمت أو عبروا عن تحفظهم بسبب مواقفه من إسرائيل..


ويرى محللون أن الحملة ضده تهدف بالأساس إلى اختبار حدود التسامح في الحزب، وإرسال رسالة إلى القاعدة التقدمية بأن «الحديث عن فلسطين له ثمن سياسي».تعكس قضية ممداني مأزقاً أوسع يواجه المسلمين الأميركيين في الحياة العامة.


فعلى الرغم من أن مدينة نيويورك تضم أكثر من 900 ألف مسلم، فإن تمثيلهم السياسي ما زال محدوداً، وتعرضهم للتمييز أو الشك بسبب مظهرهم أو عباداتهم لا يزال قائماً بعد أكثر من عقدين على هجمات 11 سبتمبر.

ويرى باحثون في علم الاجتماع أن تجربة ممداني تُمثل اختباراً جديداً لما إذا كانت أميركا «جاهزة فعلاً لتقبل مسلم في منصب رفيع» دون وصمه بالتطرف.

من المقرر أن تُجرى انتخابات عمدة نيويورك في 4 نوفمبر 2025، وسط ترقب إعلامي كبير لما إذا كان ممداني سيتمكن من تجاوز هذه العاصفة الإعلامية والسياسية.
ويرى مراقبون أن نجاحه أو فشله سيترك أثراً طويل المدى في مستقبل مشاركة المسلمين والأقليات في السياسة الأميركية.

اختار ممداني أن يختم كلمته برسالة واضحة قال فيها: «لن أغير من أنا، ولن أخفي إيماني. ربما يكون الطريق صعباً، لكن الكرامة لا تُشترى بالأصوات».

وكلماته هذه لم تكن مجرد ردّ على خصومه، بل إعلان مبدأ: أن يكون مسلمًا في قلب نيويورك ليس تهمة — بل هو حق.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى