عرب وعالم

عبدالعزيز آل سعود.. قائد وحّد الأرض وصنع المجد

ملحمة توحيد ورحلة بناء:


في كل أمة رجال تصنع أقدارها، وتكتب بمداد العزم صفحات عزّها ومجدها. وفي تاريخ الجزيرة العربية يسطع اسم الملك الموحَد عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود –رحمه الله–، ذلك القائد الذي جمع شتات الأرض وقلوب أبنائها تحت راية التوحيد، ليؤسس دولة العزّ والشموخ، المملكة العربية السعودية، في ملحمةٍ تاريخية صنعت التحول الأكبر في مسار المنطقة، وألهمت الأجيال بقدوة راسخة ورؤية نافذة. واليوم، ونحن نحتفي باليوم الوطني، نستعيد ذكرى ذلك الإعلان التاريخي في 23 سبتمبر 1932م، الذي لم يكن مجرد إعلان لدولة، بل ميلاد أمةٍ وبداية نهضةٍ مستمرة.

ملحمة التوحيد

قبل أكثر من ثمانية عقود، كانت الجزيرة العربية تعيش واقعًا صعبًا يطغى عليه التناحر القبلي. طرقٌ غير آمنة، وشتات لا يطمئن، وحياة قاسية تتنازعها الحروب الصغيرة. في هذا المناخ العسير، برز الملك عبدالعزيز بعزيمة من حديد، نذر نفسه للجهاد والتوحيد، وسار بخطى ثابتة حتى أرسى دعائم وطن آمن مطمئن. ونشأت آنذاك دولةً فتيةً تزهو بتطبيق شرع الإسلام، وتصدح بتعاليمه السمحة وقيّمه الإنسانية في كل أصقاع الدنيا، ناشرةً السلام والخير والدعوة المباركة، باحثةً عن العلم والتطور سائرةً بخطى حثيثة نحو مستقبل أفضل لشعبها وللأمة الإسلامية والعالم أجمع. لقد نجح الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود –رحمه الله– أن يوحّد القلوب قبل أن يوحّد الأرض، وأن يجعل من راية التوحيد دستورًا جامعًا، يلتف حوله الجميع إيمانًا وولاءً وانتماءً.

قائد فذ

كان الملك عبدالعزيز صاحب شخصية آسرة، يجمع بين الحزم والرحمة، بين الهيبة والبساطة. دخل القلوب بصدقه، وأسر الأنظار بحكمته، فأحبه شعبه وأخلصوا له. وكان يرى في العلماء قوام الأمة وعصبها، يقدمهم في مجلسه ويستشيرهم، مدركًا أن العلم هو الركيزة التي تُبنى عليها الحضارات. واهتم الملك عبدالعزيز بتطوير البلاد، فأصدر مرسومًا ملكيًا يقضي بتحويل اسم الدولة من (مملكة الحجاز ونجد وملحقاتها) إلى المملكة العربية السعودية، وذلك في 21 جمادى الأولى 1351 هـ الموافق 23 سبتمبر 1932م. وقد استطاع بفضل ما وهبه الله من بعد نظر أن يضع لبنات الدولة الحديثة، وأن يؤسس لنظام سياسي وإداري متين، يحفظ الأمن ويصون الحقوق ويحقق العدالة، لتصبح المملكة الوليدة نموذجًا يُحتذى في العالم الإسلامي والعربي.

معالم نهضة

لم يكن همّ الملك عبدالعزيز توحيد الأرض فحسب، بل كان يرى أن بناء الدولة لا يكتمل إلا بتنمية الإنسان والمكان. فوجه جهوده لتطوير الحرمين الشريفين وتوسعة مرافقهما، وتوفير كل السبل لخدمة قاصدي بيت الله الحرام من حجاج ومعتمرين. وفتح أبواب التعليم بإنشاء المدارس، وبنى المستشفيات لرعاية صحة المواطنين، وعمل على إصلاح التربة وتوطين البادية لتتحول حياة الترحال إلى استقرار ونماء.
وحرص الملك عبد العزيز -رحمه الله- أثناء حياته على نشر الكتب وطباعتها وتوزيعها على الناس عامة، وطلبة العلم خاصة في داخل المملكة وخارجها، كما ساعد بعض المؤلفين على الاستمرار في نشاطهم العلمي، من خلال شراء نسخ عديدة من الكتب المطبوعة وتوزيعها على نفقته الخاصة.
وجاءت اللحظة الفارقة عام 1933م، حين بدأت عمليات التنقيب عن النفط في أراضي المملكة، لتنقلب الموازين، ويخرج الذهب الأسود من باطن الصحراء فيحوّلها إلى مركز حيوي يعج بالعمال والمهندسين والخبراء، ويكون فاتحة خير لمسيرة تنمية شاملة لم تتوقف حتى اليوم.

أفق واسع

لم ينشغل الملك عبدالعزيز بالداخل فقط، بل انطلق برؤية واسعة نحو الخارج، فاعتمد سياسة دبلوماسية متوازنة تحافظ على استقلال القرار الوطني، وفي الوقت ذاته تبني جسور التعاون مع الدول. وكان من أوائل الداعين إلى التضامن العربي والعمل المشترك، فشارك في تأسيس جامعة الدول العربية، وأسهم بدور فاعل في تأسيس منظمة الأمم المتحدة، لتكون المملكة منذ بداياتها صوتًا حاضرًا وفاعلًا في المجتمع الدولي. وسجّل التاريخ للملك عبدالعزيز مواقف مشهودة في قضايا المنطقة والعالم، عززت مكانة المملكة ورسخت حضورها بين الأمم.

إرث خالد ومسيرة متجددة

رحل الملك عبدالعزيز –رحمه الله– في مطلع عام 1373هـ، بعد أن ترك إرثًا خالدًا يتجاوز حدود المكان والزمان. دولة قامت على التوحيد، وأمة تنعم بالأمن، ووطن يعيش في ظلال العزة والكرامة. وسار أبناؤه الملوك البررة من بعده على النهج ذاته، مضيفين إلى ما بناه الملك الموحد لبنات جديدة من التنمية والتقدم. لتعيش المملكة اليوم عهد خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود وسمو ولي عهده الأمير محمد بن سلمان –حفظهما الله– عهد الاستدامة والنمو والتطور، ويشهد الشعب السعودي قفزات كبيرة وخطوات غير مسبوقة في جميع المجالات داخليًا وخارجيًا، رسمت ملامح المملكة، وأرست دعائم مكانتها السياسية والاقتصادية والثقافية، ورسخت دورها المؤثر في الاقتصاد العالمي، كونها قائمة على قاعدة اقتصادية صناعية صلبة، جعلتها ضمن أقوى 20 اقتصادًا على مستوى العالم. ومع كل يوم وطني جديد، يحتفل السعوديون بمنجزاتهم وهم يرفعون راية العزّ والفخر، مجددين العهد على مواصلة المسيرة، وباعثين الأمل في مستقبلٍ يليق بتاريخهم المجيد وطموحاتهم اللامحدودة، في ظل قيادة حكيمة سارت بالمملكة إلى مصاف الدول المتقدمة.

زر الذهاب إلى الأعلى