عبدالعزيز سلام الإعلامي يكتب : أرض الصين.. وعاء الأمن الغذائي ومصدر كرامة الأمة”

بقلم: عبدالعزيز سلام الإعلامي بالتلفزيون الصيني
في قلب كل حضارة عظيمة، هناك رابط مقدس بين الإنسان وأرضه، بين اليد التي تزرع والسنابل التي تنمو. وفي الصين، حيث ينسجم التاريخ مع الحاضر، لا تزال الأرض – وخاصة “الأسود الخصبة” منها – تُعدّ كنزًا لا يُقدَّر بثمن. في الذكرى الخامسة والثلاثين لـ”اليوم الوطني للأراضي”، تتردد كلمات الرئيس شي جين بينغ بقوة في الأوساط الإعلامية والمجتمعية: “الصينيون يجب أن يمسكوا بوعاء طعامهم بأيديهم”… “يجب حماية الأرض السوداء”… “يجب أن تبقى مسألة الأمن الغذائي دائمًا في بؤرة الاهتمام”. هذه العبارات، على بساطتها الظاهرة، تحمل في طياتها فلسفة تنموية عميقة وإرادة سياسية راسخة.
أعايش عن قرب كيف أن قضية الأراضي الزراعية والأمن الغذائي لا تُعدّ مجرد ملف اقتصادي أو بيئي، بل قضية سيادة واستقرار وكرامة وطنية. فعلى مدار السنوات، أولى الرئيس شي جين بينغ اهتمامًا بالغًا بحماية الأراضي الزراعية، لا سيما “الأرض السوداء” في شمال شرق البلاد، التي توصف بـ”الكنز الوطني”، وهي تمثل العمود الفقري لإنتاج الحبوب في الصين.
رسائل شي جين بينغ المتكررة في هذا السياق ليست مجرد شعارات، بل تُترجم إلى سياسات عملية واضحة: سن قوانين صارمة لحماية الأراضي الزراعية، منع تحويل الأراضي الصالحة للزراعة إلى أراضٍ صناعية أو عقارية، وتشجيع الابتكار في الزراعة الذكية لتحسين الإنتاجية والحفاظ على التربة. والأهم من ذلك، التأكيد المتكرر أن “وعاء الأرز الصيني يجب أن يُملأ بالطعام الصيني”، في إشارة إلى أهمية الاعتماد على الذات في توفير الغذاء.
هذه الرؤية تعكس تجربة تنموية فريدة يمكن أن تلهم دولًا عربية عديدة تواجه تحديات مماثلة في إدارة الأراضي، والتصحر، وضمان الأمن الغذائي في ظل أزمات عالمية متتالية. فالصين لا تعتمد فقط على وفرة مواردها، بل على كفاءة إدارتها، والتزامها السياسي والاجتماعي تجاه الريف والفلاحين، ومراكمتها لخبرة علمية وتقنية متقدمة في مجال استصلاح الأراضي وتحسين المحاصيل.
وفي السياق نفسه، يمثل “يوم الأراضي الوطني” فرصة سنوية لإعادة التأكيد على هذا الالتزام الجماعي – من الدولة إلى المواطن – بأن حماية الأرض ليست مهمة المزارع وحده، بل مسؤولية وطنية تتطلب وعياً بيئياً، ورؤية استراتيجية طويلة الأمد.
الأرض ليست فقط ترابًا يُزرع، بل هي أساس الكرامة والسيادة. ومن هنا، يمكننا كعرب أن نستفيد من التجربة الصينية في إعادة الاعتبار للأرض والزراعة، وجعل الأمن الغذائي قضية مركزية في أجندات التنمية. فكما يقول المثل الصيني: “من يملك الحبوب، يملك الاستقرار”