فلسطين على أعتاب العضوية الكاملة في الأمم المتحدة: حراك دبلوماسي يتحدى واقع الاحتلال

عبدالرحمن ابودوح
في خطوة وُصفت بالتاريخية، صوتت الجمعية العامة للأمم المتحدة لصالح منح دولة فلسطين العضوية الكاملة في المنظمة الدولية، وذلك بتأييد 147 دولة مقابل اعتراض 10 وامتناع 12 دولة عن التصويت. ويأتي هذا التصويت في وقت حساس تشهده القضية الفلسطينية، في ظل استمرار العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة وتفاقم الكارثة الإنسانية، بينما تتسارع جهود المجتمع الدولي نحو إنهاء الاحتلال وإحياء حل الدولتين.
مقدمة: اعتراف دولي في ظل أزمة ممتدة
على وقع حرب مدمّرة في غزة، دخلت عامها الثاني، وأسفرت عن استشهاد وإصابة مئات الآلاف وتشريد أكثر من مليون ونصف فلسطيني، استعاد المجتمع الدولي اهتمامه الجاد بالقضية الفلسطينية، التي طالما طُمست تحت ضجيج الأزمات العالمية.
وبينما تمضي آلة الاحتلال في سياساتها الاستيطانية والإبادة الجماعية، تسعى القيادة الفلسطينية إلى تحويل الزخم الدولي إلى خطوات عملية نحو إنهاء الاحتلال، وتحقيق الاعتراف الكامل بدولة فلسطين ذات السيادة، على حدود الرابع من يونيو 1967 وعاصمتها القدس الشرقية.
الخلفية: حراك بدأ منذ 1988
تعود جذور هذا التحرك إلى إعلان الاستقلال الفلسطيني في الجزائر عام 1988، والذي تبنّاه المجلس الوطني الفلسطيني، لتبدأ بعده موجة اعترافات دولية بدولة فلسطين، بلغت 78 دولة بنهاية ذلك العام.
وعلى الرغم من توقيع اتفاقية أوسلو عام 1993، والتي أنشأت السلطة الفلسطينية ككيان إداري مؤقت، بقيت الدولة الفلسطينية غير معترف بها رسميًا من قبل عدد من الدول المؤثرة، بينها الولايات المتحدة، ودول في الاتحاد الأوروبي.
ومع ذلك، ظل الاعتراف بمنظمة التحرير الفلسطينية كممثل شرعي ووحيد للشعب الفلسطيني ساريًا، ومنحها وضع “مراقب غير عضو” في الأمم المتحدة منذ عام 1974، وهو ما مكّنها من التفاعل مع معظم مؤسسات الأمم المتحدة على مدار العقود الماضية.
2012 – 2024: خطوات تدريجية نحو الدولة
في 29 نوفمبر 2012، اعترفت الجمعية العامة بفلسطين كـ”دولة غير عضو” بصفة مراقب، في قرار صوتت له 138 دولة، ورفضته 9 وامتنع 41 عن التصويت.
وفي ديسمبر من العام نفسه، قررت الأمانة العامة للأمم المتحدة استخدام مصطلح “دولة فلسطين” في جميع وثائقها الرسمية.
توالت بعد ذلك خطوات رمزية ودبلوماسية على طريق التثبيت القانوني والفعلي للدولة الفلسطينية، كان أبرزها تصويت مايو 2024، الذي أقر بأغلبية 143 دولة منح فلسطين العضوية الكاملة، رغم المعارضة الأمريكية والإسرائيلية الشديدة.
سبتمبر 2025: تصويت حاسم في الجمعية العامة
في تطور لافت، صوّتت 147 دولة في 21 سبتمبر 2025 لصالح قرار أممي جديد يمنح فلسطين صفة “دولة كاملة العضوية” في الأمم المتحدة، في خطوة تهدف إلى تعزيز الحقوق السياسية والقانونية للشعب الفلسطيني، ودفع ملف التسوية نحو حل الدولتين.
وشملت قائمة الدول الداعمة معظم دول أمريكا اللاتينية، وآسيا، وإفريقيا، وعددًا متزايدًا من الدول الأوروبية، من بينها فرنسا، النرويج، إيطاليا، إسبانيا، والبرتغال، في حين عارضت القرار الولايات المتحدة، إسرائيل، كندا، وعدد من الدول الجزرية الصغيرة.
ورغم الامتناع البريطاني والألماني عن التصويت، أعلنت لندن وأوتاوا عزمهما الاعتراف بفلسطين خلال الأشهر المقبلة، بشرط إجراء انتخابات فلسطينية شاملة، وإصلاح منظمة التحرير.
المواقف الدولية: انقسام في مجموعة العشرين
شهدت مجموعة العشرين انقسامًا بشأن القضية، حيث اعترفت 10 دول من المجموعة بدولة فلسطين، أبرزها الصين، البرازيل، الهند، روسيا، وتركيا، بينما امتنعت دول غربية أخرى، على رأسها الولايات المتحدة، فرنسا، ألمانيا، وإيطاليا، عن تقديم اعتراف رسمي، مفضلة ربطه بنتائج المفاوضات مع إسرائيل.
ومع ذلك، فإن اعتراف أكثر من 145 دولة، أي أكثر من 75% من أعضاء الأمم المتحدة، يمثل انتصارًا سياسيًا ومعنويًا للدبلوماسية الفلسطينية.
ردود فعل الاحتلال: تهديدات واستفزازات
ردت إسرائيل على الحراك الدولي بتصعيد تهديداتها، متوعدة بإعادة احتلال الضفة الغربية، وفرض سيطرة عسكرية كاملة على قطاع غزة، واعتبار الخطوات الفلسطينية “خرقًا لاتفاقيات أوسلو”.
وذكرت تقارير أن الحكومة الإسرائيلية تحاول حشد “أغلبية أخلاقية” من القوى الديمقراطية الكبرى، لتقويض الدعم الدولي المتنامي لفلسطين، وهو ما لم تنجح فيه حتى الآن.
موقف الولايات المتحدة: فيتو محتمل في مجلس الأمن
رغم التصويت الواسع في الجمعية العامة، لا تزال العضوية الكاملة في الأمم المتحدة بحاجة إلى توصية من مجلس الأمن الدولي، حيث تتمتع الولايات المتحدة بحق النقض (الفيتو). وقد لوّح الكونغرس الأمريكي بقطع المساعدات عن السلطة الفلسطينية، بل وعن أي مؤسسة أممية تدعم هذا المسار.
البُعد القانوني: بوابة للمحاكم الدولية
يمنح القرار الجديد فلسطين إمكانية الانضمام إلى عدد من الاتفاقيات والمعاهدات الدولية، بما في ذلك معاهدة قانون البحار، ومعاهدة روما للمحكمة الجنائية الدولية. كما يفتح الباب أمام الفلسطينيين لرفع قضايا تتعلق بانتهاكات الاحتلال أمام محكمة العدل الدولية، بما في ذلك الاستيطان، الجرائم ضد الإنسانية، والاستيلاء غير المشروع على الأراضي.
أفق المرحلة القادمة: نحو مؤتمر سلام دولي؟
من المنتظر أن يُعقد مؤتمر دولي، غدًا الإثنين، برعاية سعودية – فرنسية على هامش اجتماعات الجمعية العامة، لدفع مبادرة “إعلان نيويورك” لإحياء حل الدولتين. وتوقعت مصادر دبلوماسية أن تنضم دول إضافية إلى قائمة المعترفين بفلسطين خلال المؤتمر.
خاتمة: ما بعد الاعتراف
لا يُنهي الاعتراف الدولي الأزمة الفلسطينية، لكنه يفتح أفقًا سياسيًا جديدًا في مواجهة الاحتلال الإسرائيلي، ويعيد القضية الفلسطينية إلى موقعها الطبيعي على جدول أعمال المجتمع الدولي. وفي ظل انسداد المسارات التفاوضية، فإن اعتراف 147 دولة بالدولة الفلسطينية يمثل رسالة قوية بأن الوقت قد حان لإنهاء الاحتلال وتحقيق العدالة.
ملحوظة ختامية
يُنظر إلى هذا الاعتراف على أنه لحظة فاصلة، ليس فقط في تاريخ النضال الفلسطيني، بل أيضًا في إعادة تشكيل ميزان الشرعية الدولية تجاه الصراع الأقدم في العالم المعاصر.