قراءة في رواية (تحرير أورشليم) للروائي وليد العليمي

اليمن .. بقلم ؛ ثابت محمد القوطاري
رواية تحرير أورشليم، للروائي وليد العليمي، صادرة عن مؤسسة أروقة للدراسات والترجمة والنشر، الطبعة الأولى 2025م، تقع هذه الرواية في (220 صفحة) من القطع المتوسط، وللدخول إلى المتن الروائي فإننا سنمر من عتباته الأولى: (العنوان، والغلاف، والإهداء).
أولا: العتبات
· العنوان (تحريرُ أورشليم).
· المستوى المعجمي
(تحريرُ): مصدر حرَّر، وتحرير السجين: إطلاقه من الأسر، وزعيم ساهم في تحرير شعبه: في انعتاقه وتخليصه من الاحتلال الأجنبي، وحرر البلد: خلصه من المستعمرين أو من الظالمين.
(أورشليم): كلمة كنعانية آرامية، وردت بهذا الاسم في النصوص الكنعانية التي وجدت في مصر قبل ظهور موسى عليه السلام بعدة قرون، وقبل نشوء وتطور اللغة العبرية، كما أورد ذلك الروائي في روايته صـ5.
· المستوى التركيبي
(تحريرُ): مبتدأ مرفوع وعلامة رفعه الضمة الظاهرة على آخره، وهو مصدر، مضاف.
(أورشليم): مضاف إليه مجرور وعلامة جره الكسرة الظاهرة على آخره.
ويجوز لنا أن نقدر (تحريرُ أورشليم) خبر لمبتدأ محذوف تقديره (هذه) أو (رواية).
وتأتي أهمية إضافة المصدر(تحريرُ) إلى المضاف بعده (أورشليم) في تحديد المفعول (أورشليم)، كما تفيد التعبير الدقيق عن المقصود، وتوضح العلاقة بين المصدر والمضاف إليه، وتدل أيضاً على أهمية الارتباط الوثيق بينهما: تحرير/أورشليم، كما أن العنوان بهذا الشكل المختصر يحمل المعنى المراد وبأقل كلمات ممكنه: مضاف ومضاف إليه.
وتدل الجمل الإسمية في هذا العنوان على الثبوت، والاستمرارية معاً، ثبوت التحرير، واستمرارية الكفاح لأجله كما سنلاحظ في المتن الروائي.
وسنجد أن رواية (تحرير أورشليم) تتقاطع في عنوانها مع رواية علي بدر (مصابيح أورشليم).
· غلاف الرواية
نلاحظ أن غلاف الرواية عبارة عن لوحة -ملونة-تاريخية كلاسيكية: منظر عام للقدس، مع وجود عدد من القادة العرب والمسلمين، على خيولهم العربية، يركع أمامهم عدد من الجنود المحتلين، وقد ألقوا أسلحتهم، وتأتي لوحة الغلاف داعة لعنوان الرواية، كما سيجد القارئ في الأحداث والمعارك وحركة الشخصيات داخل العمل السردي.
· الخطاب المقدماتي
ونقصد به الخطاب الذي يسبق الرواية، والذي قد يأتي على شكل مقدمة، أو كلمة، أو اقتباس، وفي هذه الرواية نجد أن الخطاب المقدماتي في صفحة (5) قد جاء ليوضح ويصحح بعض المفاهيم المهمة، وأهمها مفهوم (أورشليم)، والذي يعتقد الكثيرون أنها اسم يطلق على مدينة القدس باللغة العبرية، إلا أنها في الحقيقة كلمة كنعانية آرامية، وجدت في النصوص الكنعانية التي وجدت في مصر قبل ظهور موسى عليه السلام بعدة قرون، وقبل نشوء وتطور اللغة العبرية، كما أسلفنا.
كما أوضح الخطاب المقدماتي للرواية أصل الكلدانيين والكنعانيين، حيث قال: “هم قبائل عربية هاجروا من شبه الجزيرة العربية واستوطنوا بلاد الرافدين خلال الألف الخامس قبل الميلاد” صـ5.
· الإهداء
جاء الإهداء عاماً، وإنسانياً، موجهاً لأحرار الأمة والعالم، والذين يرفضون العبودية والقهر والاستبداد، نافخاً في روح الأمة روح العزة والكرامة، كونها: “أمة خالدة قادرة على صناعة المعجزات وتحقيق الانتصارات إذا أدركت أن سر قوتها في وحدتها”، وفي هذا دعوة للامة للوحدة ضد الكيان المحتل.
ثانياً: المتن الروائي
يمكن تلخيص الرواية وعرضها على النحو التالي:
(كنعان ذو غيلان الكلدي الكنعاني)؛ فارس ومحارب وشاعر من بلاد الرافدين، جرت في عروقه دماء العروبة، ونخوتها عندما علم بقيام (مملكة يهوذا) باحتلال أرض عربية وهي (مملكة أورشليم) واعتقال ملكها (ملكي صادق) لتنفيذ حكم الإعدام بحقه في (السامرة عاصمة/ مملكة يهوذا)، لقيامه بإيواء مجموعة من معتنقى (العقيدة المانوية) الذين بطش بهم (الملك صدقيا/ ملك يهوذا) دعا الفارس العربي (كنعان) قبائل العرب لقتال مملكة يهوذا، ونفخ في صدورهم روح العروبة، وشحذ الهمم، فاحتشدت وراءه معظم قبائل العرب، فتمكن من إلحاق الهزائم بجيش مملكة يهوذا، وبفرقه الضاربة، مثل فرقة (فرسان شاول)، وفرقة (الزناجير)، حفظ ماء وجه العرب، واستعاد الكرامة العربية، عبر سلسلة انتصارات كبيرة، وتمكن خلالها من استعادة كل أرض مملكة أورشليم العربية من أيدي جيوش مملكة يهوذا، بداية من (ولاية جبعون) ثم (ولاية أريحا)، (وبيت إيل) وصولاً إلي (أورشليم)، وما كان فارس العرب وشاعرها ليحقق ذلك ، لولا وقوف ثلة من خيرة فرسان العرب إلي جانبه حيث التفوا حوله من بلاد الرافدين ونجد والحجاز ومصر واليمن وبلاد المغرب العربي وشمال أفريقية، على رأسهم: الحارث بن عدي فارس قبيلة بني إياد، وأسد بن ربيعة فارس قبيلة بكر بن وائل، وشرحبيل بن مالك فارس قبيلة بني كنانة، وجساس بن شعب فارس قبيلة عبيدة، والخرشب الأنماري فارس قبيلة أنماربن، والمقداد بن عمرو فارس قبائل اليمن.
لقد سطر كنعان ذو غيلان ونخبة من فرسان العرب أروع الملاحم والبطولات وألحقوا هزائم متعاقبة بأقوى جيش على وجه الأرض ، الجيش الذي نُسجت حوله الأساطير والحكايات، وأجمع سادة الحروب على أنه الجيش الذي لا يقهر، ولكن محارب العرب كنعان ذو غيلان الكلدي الكنعاني تمكن من كسر غرور جيش مملكة يهوذا مرة بعد أخرى، وتمكن في مواجهات عديدة سطرتها هذه الرواية من إلحاق هزائم نكراء بفرق جيش مملكة يهوذا الضاربة، فقد جندل بقادتهم مثل: (يهوذا الأسخريوطي) القائد الذي لم يُغلب قط في أي مبارزة، وتحدثت الأساطير عن قوته ومهارته في النزال.
وثقت هذه الرواية، المهانة التي تعرض لها ملك العرب (ملكي صادق) على يد جيش يهوذا، كما كشفت حجم الخيانة التي تعرض لها من أقرب ولاته (حاكم أريحا) وقائد جندها، ومن مستشار بلاطه الحكيم (عامر بن صعصعة)، كما سطرت الرواية مقاومة (ملكي صادق) الشرسة لغزو (مملكة يهوذا)، ومحاولات بعض قبائل العرب نصرته، كقبيلة (الرماحين) بقيادة فارسها (عكرمة بن قيس)،وبالرغم من الحروب الطاحنة التي يخوضها كنعان ورفاقه ضد تمدد (مملكة يهوذا) وانشغالهم بها، إلاَّ أن ذلك لم يمنعه من نصرة حرائر العرب في نجد، عندما استجاب لاستغاثة (الزوراء) سيدة أنماربن، ليخوض معارك دامية ضد أشرار العرب في نجد، على رأسهم (أشجع بن ريث الغطفاني)، وابنه (المهند بن أشجع)، وجماعة الغرانيق بقيادة (أشربن واصف)، والتي تقطن جبال فران في وادي الدهناء، فتمكن كنعان وجنده من تحقيق النصر على أشرار العرب في نجد، ثم يعود ليستكمل نضاله وكفاحه ضد تواجد (مملكة يهوذا) على أرض العرب.
هذه الرواية ليست مقسمة إلى فصول، فهي تبدء بسرد الحدث مباشرة، وتطرح -من خلال سرد الأحداث- رؤية تاريخية ملحمية حول احتلال القدس (أورشليم) من قبل مملكة يهوذا، وتتكئ هذه الرواية على التاريخ لتشكل الوعي العربي تجاه القضية الفلسطينية في العصر الحديث، في ظل المعاناة التي تمر به فلسطين بشكل عام، وغزة بشكل خاص، وما في الرواية من تاريخ عربي مشرف سطره العرب، بالتفافهم حول قيادة موحدة (كنعان ذو غيلان)، وتركيزهم على قضيتهم الأساس؛ تحرير أرضهم من الاحتلال الأجنبي (مملكة يهوذا) إلاَّ دعوة واضحة للعرب في العصر الحديث والمعاصر إلى الاطلاع على تاريخهم، والاقتداء بمحطاته المشرفة في درب الوحدة العربية الشاملة، والنضال العظيم، في سبيل تحرير الأرض والإنسان، وما هذا الصوت لعكرمة بن قيس حين قال لملكي صادق:” جئناك بمحض إرادتنا، ونحن القادرون على ضرب هام الأعداء، ونحن من سنرفع جبين العرب عالياً، وسنأخذ بثأرهم، ويعلم الناس غير فخر، وأنَّا الباذلون دماءنا من أجل، الكرامة والعزة، وأنَّا المهلكون لكلِّ أعدائنا” صـ30 إلاَّ صوت كلِّ عربي حر، دعته النخوة والشرف والعزة للاصطفاف مع إخوته، في سبيل تحرير الأرض والإنسان، وبالرغم من الشائعات، والأساطير التي كانت تدور حول جيش (مملكة يهوذا) من أنَّه الجيش الذي لا يقهر، إلاَّ أن العرب بتوحدهم ومؤازرتهم لبعضهم استطاعوا القضاء عليه وتحرير الأرض، وهذا ما يمكن أن نسقطه على معارك العرب اليوم مع الكيان الغاصب (إسرائيل)، الذي يشاع عن قوة جيشه، وتفوق منظومته الحربية، وقبته الحديدية، إلاَّ أن المقاومة قد لقنته دروساً قاسية، بالرغم من تخاذل العرب وخيانتهم للقضية وللمقاومة، فكيف إذا اتحد العرب، خلف قيادة واحدة شجاعة، على غرار ما قرأناه في هذا العمل الروائي الماتع؟
هذه الرواية التاريخية، هي طاقة إيجابية، ووقود لشحن الهمم، ومراجعة محطات البطولة والانتصار في تاريخ العرب، وتذكير بأمجاد ماضية يمكن استعادتها، وتحقيقها اليوم، على نحو ما كانت بالأمس.
(فلسطين) اليوم، هي ذاتها (أورشليم) الأمس، والاحتلال (الصهيوني) اليوم، هو نفسه (مملكة يهوذا) الأمس، والعرب هم العرب، والاحداث هي الأحداث، و(الأمة العربية) هي أمة خالدة قادرة على صناعة المعجزات وتحقيق الانتصارات، شريطة إن أدركت سر قوتها، وأهمية وحدتها، فما تحت الشمس بجديد.
اعتمدت الرواية على السرد الخطي بشكل مباشر وتسلسلي، كان الراوي فيها عليماً، كما اعتمدت الرواية على وصف الشخصيات والأماكن، والبيئة، واعتمدت لغة مناسبة في الوصف والحوار بين الشخصيات، كما حضر الشعر العربي باعتباره ديوان العرب وفخرهم، وسجل مآثرهم، وبخاصة عند الحرب، والتقاء السيوف، فنجد القائد كنعان ذو غيلان (صـ 56) منشداً:
إنَّا إذا هببنا بأرض قومٍ عند هبتنا يشيب الوليدا
وهبنا العز من أرض كرامٍ وكيف للعدو بعقل أن تعودا
فمثل هذه الأراجيز، والأشعار نجدها على امتداد المعارك في التاريخ العربي، وكأنَّها تضع العربي أمام مسؤولياته تجاه قومه، وتشحذ همته في النضال وخوض غمار الحرب للدفاع عن الأرض والإنسان.
حسبي من هذا العرض والقراءة أن أدعو القارئ الكريم لقراءة هذا العمل الروائي المهم، وبخاصة في زمن الانكسار العربي لولا وميض أمل المقاومة التي تكبد العدو الصهيوني خسائر كبيرة، وتلقنه دروساً لن ينساها، ليعلم أن العربي كناقته؛ يصبر لكنَّه لا ينسى، هذا العمل يدعو العرب للوحدة، ومواجهة الاحتلال، صانعاً بارقة أمل، مستدعياً التاريخ العربي في أبهى حلله وأنصع صفحات مجده وانتصاراته.