مقالات الرأي

قيل في حب اللغة العربية

بقلم / سارة سيد

إن اللغة العربية.. لغة وحدت الألسن من مختلف بقاع العالم عبر تلاوة القرآن ورفع الآذان بها.
وفي حب لغة القرآن يقول الشاعر وديع عقل:
“إن ربي خلق الضادَ وقد
خصها بالحسنات الخالدات.

وعدا عادٍ من الغرب
على أرضنا بالغزواتِ الموبقاتِ.
ملك البيتَ وامسى ربَّه
وطوى الرزق وأودى بالحياة.

هاجم الضاد فكانت معقلاً
ثابتاً في وجهه كلَّ الثباتِ.

معقلٌ ردَّ دواهيهِ فما
باءَ إلا بالأماني الخائباتِ.

أيها العُربُ حمى معقلكم
ربكم من شر تلك النائبات.

إن يوماً تجرح الضاد به
هو واللَه لكم يومُ المماتِ.

أيها العربُ إذا ضاقت بكم
مدن الشرق لهول العاديات.

فاحذروا ان تخسروا الضاد ولو
دحرجوكم معها في الفلوات.”

مما لا شك فيه أن اللغة -بصفة عامة- لها دور في تشكيل وتحديد الهوية القومية للمجتمعات عبر التاريخ، وذلك لما تتميز به من خصائص تشترك في تكوين الفكر، إذ أن الكيفية التي ينطق بها الإنسان ويتواصل بها مع الإخرين هي التي يفكر بها.

فلا تزال اللغة العنصر الأساسي في إعطاء الصفة الاجتماعية للمتحدثين بها، والوقفة التي يقتضي وقوفها اليوم حول دور ((*اللغة العربية في حياة العرب*)).

ويبقى قول الجاحظ في البيان والتبيين صحيحًا على الرغم من مرور الزمن:
“إذا ترك الإنسان القول ماتت خواطره، وتبلّدت نفسه وفسد حسّه” والقول هنا هو اللغة، سواء أكانت مكتوبة أم منطوقة أم إشارة أم إيحاءً أم رموزًا… وهي عند العرب حميمية وتضامنيّة واجتماعيّة.. لذلك كانت لها هذه الأهميّة، لأنّها فعل حياة، وغيابها يؤثّر تأثيراً كبيراً في واقع أبنائها.

ومن أكثر الخصائص أهمية للغة العربيّة، هي جماعيتها وتلاحم أبنائها وتضامنهم واقترابهم من بعضهم حتى التلاصق والتوحد.. وهذا دليل يفصح عن أنّ اللغة العربيّة ليست أمرُا عارضًا، أو شيئًا يمكن تبديله كلما خطر للبعض.
فالعربيّة هي صنو الحياة وفي الأحوال كلّها ثمّة من يرى في العربيّة تماثلاً للناس أنفسهم، لا يكاد يميّز بينهما، حتى أصبحت “بنية ذهنيّة” تكوّنت من نوازع نفسيّة طبيعيّة، تراصفت تاريخيًا، فغدت بمثابة بوتقة تصهر ما يوضع فيها وتشكّله وفاق طابعها، حين ملاءمته للصهر، فيكون له اتجاه خاص في الحوار والتعبير والسلوك والنظرة إلى الواقع وما بعده من آفاق وتطلعات تتجاوز المحسوسات. إنّها النفس العربيّة بكل ما فيها من انعطافات ونتوءات…

” *إنّها النفس العربيّة* ” وهي المتميّزة بقدم وتنوّع خبراتها ومصادر ثرائها وعمق تاريخيتها التي تصل حتى التفرّد بين اللغات التاريخية التي تتعامل بها سلالات الأسر اللغوية الأخرى”.
فاللغة العربيّة هي ذاتيّة أكثر مما هي موضوعيّة، أي هي في أساسها تجاوب مع انطباع أو صوت، وحين يستعملها المتكلم بها لتبليغ ما يريد، يترك للمستمع أو القارئ فسحة لإكمال الصورة والإرادة الكامنة خلفها”
إنّ ما يشغلنا في هذا الصددة هو إبراز إمكانية اللغة وسيطرتها على زمام القول، وانبثاق دورها الدائم في الفعل. ذلك الفعل الذي يتخطّى، أحياناً، أطر الزمان والمكان، من دون أن يهملهما أو يتجاوزهما..

إنّ القدرة الفاعلة للغة العربيّة تتأتّى من عناء تكوّنها واحتلالها هذه المكانة الرفيعة، ليس في نفوس أبنائها الذين صنعوها عبر تاريخهم الاجتماعي والسياسي والثقافي والاقتصادي وحسب، بل في نفوس غيرهم من الشعوب، سواء أنطقوا بها أم لم ينطقوا، لأنّ البحث العلميّ الدقيق يظهر فرادة هذه اللغة وتأثيرها في مجتمعات كثيرة، كشف عن بعضها، وبقي البعض الآخر ينتظر الجهود لكشفه..

ولقد زاد من تركّز العربيّة في الذهن والنفس، ومن إقبال الناس عليها ارتباطها بالقيمة الاجتماعية للإنسان وهي المتأتية من العلاقة الوثيقة بالقرآن الكريم والحديث النبويّ الشريف، فمن تعلّمهما حسنت مكانته، ومن “أحب الله أحبّ رسوله المصطفى (ص)، ومن أحب النبيّ العربيّ أحبّ العرب، ومن أحبّ العرب أحبّ اللغة العربية التي بها نزل أفضل الكتب على أفضل العجم والعرب، ومن أحبّ العربيّة عني بها وثابر عليها، وصرف همّته إليها”.

وقد عبر الجاحظ عن بعض مزايا العربيّة، وكيف أنّها أصبحت لغة الحياة، وكيف اكتسبت هذه القوّة العابرة للزمن..

يقول الجاحظ عن اللغة العربيّة: “قال بعض جهابذة الألفاظ ونقاد المعاني: المعاني القائمة في صدور الناس، المتصوّرة في أذهانهم، والمتخلخلة في نفوسهم، والمتصلة بخواطرهم والحادثة عن فكرهم مستورة خفيّة، وبعيدة وحشية، ومحجوبة مكنونة، وموجودة في معنى معدومة، لا يعرف الإنسان ضمير صاحبه، ولا حاجة أخيه وخليطه، ولا معنى شريكه والمعاون له على أموره، وعلى ما لا يبلغه من حاجات نفسه إلاّ بغيره.

وإنّما يحيي تلك المعاني ذكرهم لها، وإخبارهم عنها، واستعمالهم إيّاها، وهذه الخصال هي التي تقربها من الفهم، وتجليها للعقل وتجعل الخفيّ منها ظاهرًا، والغائب شاهدًا، والبعيد قريبًا. وهي التي تلخص الملتبس، وتحلّ المنعقد، وتجعل المهمل مقيّدًا، والمقيّد مطلقًا، والمجهول معروفًا، والوحشيّ مألوفُا، والغفّل موسومًا، والموسوم معلومًا”…

فهذه اللغة كامنة في الشخصيّة وتحتاج إلى تحريك وإحياء وذكر وإخبار بها واستعمال لها.. وهو ما نخبر به في المقال القادم.. نفوسهم، والمتصلة بخواطرهم والحادثة عن فكرهم مستورة خفيّة، وبعيدة وحشية، ومحجوبة مكنونة، وموجودة في معنى معدومة، لا يعرف الإنسان ضمير صاحبه، ولا حاجة أخيه وخليطه، ولا معنى شريكه والمعاون له على أموره، وعلى ما لا يبلغه من حاجات نفسه إلاّ بغيره. وإنّما يحيي تلك المعاني ذكرهم لها، وإخبارهم عنها، واستعمالهم إيّاها، وهذه الخصال هي التي تقربها من الفهم، وتجليها للعقل وتجعل الخفيّ منها ظاهرًا، والغائب شاهدًا، والبعيد قريبًا.

وهي التي تلخص الملتبس، وتحلّ المنعقد، وتجعل المهمل مقيّدًا، والمقيّد مطلقًا، والمجهول معروفًا، والوحشيّ مألوفُا، والغفّل موسومًا، والموسوم معلومًا…”

فهذه اللغة كامنة في الشخصيّة وتحتاج إلى تحريك وإحياء وذكر وإخبار بها واستعمال لها.. وهو ما نخبر به في المقال القادم..

زر الذهاب إلى الأعلى