الرئيسيةمنوعات

كارثة طبيعية”.. دراما تهزّ الأرض تحت أقدامنا وتكشف المأساة المسكوت عنها: السبع توائم

 

كتبت :إيمان خالد خفاجي 

كارثة طبيعية”.. دراما الواقع التي كشفت أوجاع المجتمع المصري محمد سلام في تجربة مختلفة تمامًا

في موسم درامي مزدحم بالأعمال الكوميدية والاجتماعية، يطل الفنان محمد سلام هذا العام بعمل مختلف يحمل عنوان «كارثة طبيعية»، وهو ليس مجرد اسم صادم أو غريب، بل يعكس مضمونًا واقعيًا مليئًا بالألم والدهشة والرسائل الإنسانية.
المسلسل ينتمي لنوعية الدراما الاجتماعية ذات البعد الإنساني، لكنه يتناولها من منظور غير تقليدي، إذ يجمع بين الكوميديا السوداء والواقعية القاسية، في معالجة فنية ذكية تضع المتفرج أمام مشاهد تمس حياته اليومية وتجعله يعيد التفكير في مفاهيم كثيرة.

يبدأ الحدث بصدمة: سبعة توائم دفعة واحدة

تبدأ الحكاية من حدث صادم يهز المجتمع الصغير الذي يعيش فيه البطل — وهو ميلاد سبعة أطفال دفعة واحدة!
محمد سلام يجسد شخصية “رمزي”، الشاب البسيط الذي يعيش حياة متواضعة مع زوجته “سلمى” في حي شعبي. ومع إعلان خبر إنجابهما لسبعة توائم، تتحول حياتهما إلى فوضى حقيقية، بين فرحة الناس بالمولود النادر، وبين واقعٍ اقتصادي صعب لا يرحم.

الفكرة نفسها مأخوذة من حالات واقعية حدثت في محافظات مصرية، أبرزها في المنيا، سوهاج، والدقهلية، حيث شهدت المستشفيات حالات ولادة نادرة لتوائم متعددة. صُنّاع المسلسل استخدموا هذه الحوادث كنقطة انطلاق لطرح أسئلة اجتماعية جريئة:
هل الإنجاب نعمة بلا حدود أم مسؤولية تتطلب وعيًا؟ وهل يكفي الحب لتربية سبعة أطفال في زمن صعب كهذا؟

يناقش القضايا المسكوت عنها

ما يميز “كارثة طبيعية” أنه لا يكتفي بسرد قصة إنسانية، بل يفتح ملفات اجتماعية شائكة لم تجرؤ كثير من الأعمال على الاقتراب منها، مثل:

تنظيم النسل والتخطيط الأسري،دور الأهل في تربية الأبناء،

الإيجار القديم وأزمة السكن،الفتاوى العشوائية وتأثيرها على المجتمع،تجارة الأعضاء البشرية واستغلال الفقراء،

فصل المرأة من العمل بسبب الحمل أو الأمومة.

كل هذه القضايا تُطرح داخل نسيج درامي متماسك، دون وعظ أو خطاب مباشر، بل من خلال مواقف واقعية يعيشها الأبطال وتدفع المشاهد للتفكير دون أن يشعر أنه يُدرَّس له درسًا اجتماعيًا

ينتقد اللامسؤولية.. ويكشف أثر الفقر

في إحدى الحلقات التي أثارت تفاعلًا واسعًا على السوشيال ميديا، يعرض المسلسل مشهدًا مؤثرًا يظهر فيه محمد سلام وهو يقف أمام الكاميرا ممسكًا بأطفاله السبعة، منهارًا من العجز والضغط النفسي، وهو يقول:

> “أنا مش زعلان إنهم جم… أنا زعلان إن الدنيا مش مستعدة ليهم.”

هذا المشهد اختصر مأساة آلاف الأسر المصرية التي تعاني من الغلاء وضعف الدخل، ومع ذلك تستسلم للإنجاب المتكرر دون وعي أو تخطيط.
المسلسل هنا لا يدين الفقراء، بل يفضح النظام الاجتماعي الذي لا يوفر بيئة عادلة لتربية الأبناء أو دعم الأسر البسيطة.

يُعيد الاعتبار للدراما الواقعية

يحسب لـ”كارثة طبيعية” أنه أعاد الحياة لنوعية الدراما الواقعية الإنسانية التي غابت عن الشاشة منذ فترة.
فالعمل لا يعتمد على صراخ أو ميلودراما مفتعلة، بل على تفاصيل الحياة اليومية — الحوار الطبيعي، المشاعر البسيطة، الخلافات الأسرية الصغيرة التي تكشف عمق الأزمة الاجتماعية.

المخرج اعتمد أسلوبًا قريبًا من السينما الواقعية الجديدة، بكادرات ضيقة وإضاءة طبيعية، مما جعل المشاهد يشعر أنه يعيش داخل البيت نفسه مع الأسرة.

محمد سلام يثبت أنه أكثر من ممثل كوميدي

قدّم محمد سلام في هذا المسلسل أداءً مختلفًا تمامًا عن أدواره السابقة.
ابتعد عن الكوميديا الخفيفة التي اشتهر بها في “الوش التاني” و“كابتن أنوش”، وقدم شخصية مليئة بالتناقضات: أب حنون، زوج مرهق، رجل بسيط يُسحق بين طموحه وواقعه.
قدرته على التنقل بين المأساة والضحك في لحظة واحدة جعلت الجمهور يتفاعل معه بقوة، واعتبره البعض أحد أفضل أداءاته الدرامية حتى الآن.

يُظهر معاناة المرأة المصرية

لم يغفل المسلسل عن الجانب النسائي في القصة، حيث ركز على قضية فصل المرأة من العمل بسبب الحمل أو الأمومة، وهي مشكلة واقعية تواجه آلاف السيدات في مصر.
شخصية “سلمى” التي تجسدها فنانة شابة باقتدار، تمثل نموذجًا لكل أم تُضحي بمستقبلها المهني من أجل تربية أبنائها، لكنها في الوقت نفسه تواجه قسوة المجتمع وعدم تفهمه.

الحلقات التي تناولت هذا الصراع كانت من أقوى مشاهد المسلسل وأكثرها تفاعلاً على المنصات الرقمية، لما حملته من صدق وبساطة وقهر مكتوم.

في مشهد جريء آخر، يناقش المسلسل ظاهرة الفتاوى غير المسؤولة التي تُطلق عبر وسائل الإعلام ومواقع التواصل، وكيف تؤثر على وعي الناس البسطاء.
يظهر شيخ شاب على السوشيال ميديا يُصدر فتاوى غريبة تشجع الناس على الإنجاب باعتباره “رزق مضمون”، دون النظر إلى واقعهم الاقتصادي أو قدرتهم على تحمل المسؤولية.
المسلسل هنا لا يهاجم الدين، بل ينتقد من يستخدمه لتبرير الجهل والفوضى، وهي رسالة قوية وصلت إلى الجمهور بذكاء دون صدام مباشر.

يفضح تجارة الأعضاء البشرية

من القضايا الصادمة التي تناولها المسلسل أيضًا، تجارة الأعضاء، حيث تُظهر الأحداث كيف يمكن للفقر أن يدفع بعض الأشخاص إلى بيع أعضاء من أجسادهم طمعًا في المال.
القصة هنا مؤلمة جدًا، لكنها تسلط الضوء على جانب مظلم من المجتمع المصري والعربي، وكيف أصبح استغلال الفقراء تجارة مربحة للبعض.

السيناريو قدّم المشهد بشكل إنساني بعيد عن الإثارة الرخيصة، مركزًا على الألم النفسي والمعنوي للشخص الذي يضطر إلى هذه الخطوة، مما جعل الحلقة من أكثر الحلقات تأثيرًا في المسلسل.

النجاح الكبير للمسلسل يعود أيضًا إلى دقة التفاصيل:
الديكور الشعبي، اللهجة البسيطة، الملابس التي تشبه حياة المصريين الحقيقية، والموسيقى التصويرية التي تجمع بين الشجن والدفء.
كل هذه العناصر جعلت المشاهد يشعر أن القصة ليست خيالًا دراميًا، بل صدى لما يراه ويسمعه يوميًا في حياته أو بين جيرانه.

الحالات المشابهة في مصر

ما جعل العمل أكثر واقعية هو أنه مستلهم من قصص حقيقية عن إنجاب التوائم في مصر.
في عام 2018 شهدت محافظة سوهاج حالة نادرة لسيدة أنجبت ستة توائم دفعة واحدة، كما رُصدت حالات مشابهة في المنوفية والمنيا، أثارت اهتمام الرأي العام وقتها.
هذه القصص الواقعية جعلت فكرة المسلسل أكثر قربًا من الناس، لأنها لم تأتِ من الخيال، بل من واقعٍ يمكن أن يحدث لأي أسرة.

يُحرك النقاش حول “تنظيم النسل”

أحد أهم أهداف المسلسل هو إحياء النقاش حول قضية تنظيم النسل، التي عادت لتكون من القضايا الساخنة في مصر بعد زيادة عدد السكان.
المسلسل طرح الفكرة دون وعظ مباشر، بل من خلال معاناة الأسرة التي تجد نفسها عاجزة عن تربية سبعة أطفال وسط الفقر والبطالة وارتفاع الأسعار.

وقد أثنى عدد من النقاد على هذا الطرح، معتبرين أن المسلسل نجح في إيصال رسالة مجتمعية دون أن يفقد حسه الإنساني أو الفني.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى