كان سفيراً في العراق

بقلم / الأستاذ الدكتور محمود زايد
أستاذ التاريخ الحديث والمعاصر بجامعة الأزهر
صدر هذا العام كتاب مهم للسفير شريف شاهين كأول سفير مصري في العراق (2009-2013م) بعد نحو عشرين سنة تأزمت فيها العلاقات المصرية العراقية وانخفض التمثيل الدبلوماسي عقب اجتياح صدام حسين للكويت واعتدائه على شعبها الشقيق عام 1990م.
اختار المؤلف عنوانا معبرًا للكتاب يترجم ما عايشه ومن معه من الدبلوماسيين المصريين بأنفسهم من تناقضات ومخاطر في العراق، والأوضاع الصعبة التي واجهوها، حيث أسماه: “أيام في العراق مذكرات سفير مصري”.
للكتاب أهمية كبيرة لما يحتويه من معلومات مهمة لمدة زمنية ساخنة وخطيرة شهدت تحولات كثيرة جدًّا في العراق ومصر وفي منطقة الشرق الأوسط بشكل عام؛ إذ في عهد السفير شريف شاهين بلغ التمثيل الدبلوماسي أرفع مستواه، وافتتحت مصر قنصلية لها في أربيل عاصمة إقليم كردستان كأول قنصلية لدولة عربية فيها، كما افتتحت قنصلية أخرى في البصرة.
وفي عهده تم حل مشكلة الحوالات الصفراء “أصل مستحقاقات المصريين العاملين في العراق في عهد صدام حسين البالغة مليار دولار بدون الفوائد”، والتي كانت معلقة منذ أكثر من عشرين سنة، إلى غير ذلك من الأمور المهمة التي نجحت السفارة المصرية في إنجازها وفق ما ذكره السفير شريف شاهين في كتابه، رغم المخاطر التي واجهوها هناك من أعمال إرهابية وتفجيرات، كان منها تفجير القنصلية المصرية في حي المنصور ببغداد.
لفت نظري اهتمام السفير المصري بالعديد من القضايا التي ذكرها في كتابه وتستحق التوقف عندها، كحالة التوأمة بين الشعبين المصري والعراقي، وأن بلديهما في حاجة لبعضهما تعاونًا وتكاملاً كواحدة من أهم عوامل استقرار منطقة الشرق الأوسط، وقصقصةً للتدخلات الخارجية إقليميًّا ودوليًّا في واقع ومستقبل المنطقة.
ولذلك أكد السفير المصري أن أي محاولة جادة من الاتفاقات ومشاريع التعاون بين البلدين، سريعًا ما تتوافق وتتحد ضدها إيران والولايات المتحدة إجهاضًا لهذه المساعي وللخطوات الجادة نحو التعاون المشترك، لاسيما في مجال الاستثمار، والإعمار، واستخراج وتصدير النفط… إلخ، وقد برهن على قناعته تلك بعدد من المحاولات التي سعى إليها وعايشها بنفسه، سواء في أواخر حكم الرئيس حسني مبارك، في عهد من جاء بعده، لكن أزرع إيران الطائفية والسياسية ومن ورائها الولايات المتحدة كانت تقف لهذه المحاولات الجادة بالمرصاد.
لقد هَامَ السفير المصري في كتابه كثيرًا معجبًا بشخصيات سياسية عديدة في العراق، وأفرد لهم مساحات واسعة، منهم المرحوم جلال الطالباني رئيس العراق (2006-2015م)، والسيد مسعود البارزاني رئيس إقليم كردستان آنذاك، والسيد هوشيار زيباري وزير الخارجية في الحكومة الاتحادية آنذاك، مبيًّا مدى احترامهم وتقديرهم لمكانة مصر وتاريخها وأهميتها في المنطقة والعالم، وأنهم كانوا من الموقنين بأن بلدهم في حاجة شديدة لمصر لإحداث التوازن المطلوب وملئ الفراغ التي تستغله إحدى دول الجوار بنشر أذرعها ونفوذها وتدخلاتها في الشؤون الداخلية العراقية، ولذلك كان هؤلاء معاونين جدًّا لنجاح عودة التمثيل الدبلوماسي في العراق.
لقد قرر السفير شريف شاهين ما تحدث به كثيرون غيره عن مدى الحكمة والرجاحة التي يتمتع بها كل من الرئيس جلال الطالباني والسيد مسعود البارزاني في تسيير أمور الحكم في ضوء اختصاصات كل واحد منهما، وسعيهما الجاد لتجاوز الأزمات والعقبات بين جميع الفصائل ومكونات الشعب العراقي.
لقد أكد السفير في كتابه أن الزعيمين كانا ممتنين لمواقف مصر التاريخية تجاه القضية الكردية، لاسيما منذ عهد الرئيس جمال عبدالناصر واستقباله للزعيم الكردي ملا مصطفى البارزاني في مصر عام 1958م، وما بعدها من مواقف إيجابية داعمة لحقوق ونضال الشعب الكردي المشروع.
ذكر السفير في كتابه مدى امتنان الرئيس جلال طالباني لمصر التي احتضنته لاجئًا سياسيًّا في أصعب فترات حياته التاريخية، وكذا علاقته الحميمة مع الرئيس حسني مبارك الذي كان أول المهنئين للطالباني بعد اختياره رئيسًا للعراق في ولايته الثانية عام 2010م.
الكتاب به الكثير من الموضوعات الحيوية والمثيرة، التي تجذب قارئها إليها متمعنًا ومتفحصًا إليها بالتحليل والمناقشة للوصول إلى قناعات مهمة وجادة، تدور في فلك حتمية توثيق عرى الترابط والتعاون بين العراق ومصر على مستوى الدولة، وبين الشعب المصري والشعب العراقي العربي والكردي. وتبقى الحقيقة الواضحة قائمة أن شعوب المنطقة أبقى وأقوى بتمكنها من القضاء على النفوذ والتدخلات الخارجية، وبتكاملها وتعاونها في استثمار مواردها وثرواتها لما يخدم المصالح العليا لشعوب المنطقة.