كريم المصري يكتب : هل نتعلم من الدرس ؟

بقلم كريم المصرى
كفانا استباحه.. كفانا تسولاً إعلامياً يرتدي ثوب الوطنية الزائف ليفتك بثقات الأمة وعظمائها..ما حدث في برنامج “كلام الناس” ليس نقداً، ولا دفاعاً عن علاقات أخوة، بل هو عملية اغتيال معنوي مسوق لفنان هو بحق جزء من ضمير مصر الفني والأخلاقي.
السؤال الذي يفرض نفسه بقوة: من تكون ياسمين عز، لتمتشق سيف التكفير الأخلاقي والفني وتوجهه نحو رقبة رمز بحجم محمد صبحي؟
ما هي مساهماتها التي تخولها للوقوف في مقام “القاضي” الذي يحاكم بناة الذاكرة الجمعية؟ وما هو تاريخها الإعلامي سوى سلسلة من العناوين الصادمة والمواقف المثيرة للجدل، التي تبحث عن “التريند” بثمن أي شيء، حتى لو كان الثمن هو إرث أمة وفنان عَمره أطول من عمر قنوات بأكملها؟
لقد تجرأت على رمز ربى ضميراً فنياً لأجيال.. رمز لم يبع فنه للقنوات الفضائية حين احتكرت، ولم ينافق السلطة حين اغري الجميع، ورفض الملايين دفاعاً عن مبدأه..رمز علمنا أن الكبرياء الحقيقي ليس في الصوت العالي، بل في الرفض الهادئ للمساومات.وهو اليوم يحاكم لأنه تجرأ وقال رأيه في عمل فني! أي مهزلة هذه؟
لم تكتف بالإساءة إليه، بل حاولت تحويل دفاعه عن تراث بلده إلى “جريمة” ضد علاقات أخوة..هذه لعبة مكشوفة، تذكرنا بأدوار الـ”مرتزقة الإعلاميين” عبر التاريخ، الذين يبيعون سهام أقلامهم وأصواتهم لأجل حفنة من اللمعة أو الدولار.
أيتها السيدة،
عندما وقف محمد صبحي يعلم جيلاً كاملاً معنى “الفن رسالة” في زمن كان الجميع يلهث وراء الشهرة، كنتِ ربما في عالم آخر..
عندما بنى مسرحاً وطنياً يعتمد على الجمهور لا على الرعاة، كنت تبحثين عن مقعد في أي منصة..
عندما رفض المليون دولار دفاعاً عن كرامة فنه ونصيحة خالصة للشقيق، كنت ربما تراه “ساذجاً” أو “متحجراً”.
تاريخ محمد صبحي الفني مكتوب بأعمال خالدة، وتاريخه الأخلاقي مكتوب برفض المناصب والمساومات..فبأي تاريخ تتحدثين أنت؟ وبأي رصيد أخلاقي أو فني تصدرين أحكام الإعدام العلني؟
في تقديري ما يحدث هو جزء من معركة وجود بين نمطين:
..نمط البناة: مثل صبحي، الذين يبنون بقيمهم وفنهم وأخلاقهم هوية أمة.
.. نمط المهدمين: الذين يجعلون من الإثارة والخطاب التعبوي الرخيص مهنة، ويحولون المنصات إلى ساحات تصفية للحسابات الشخصية أو تلميع للصورة على حساب كرامة العظماء.
إن هجومك لم يكن دفاعاً عن السعودية، فهي دولة تحترم الفكر والرأي ولا تحتاج إلى “أوصياء” لإسكات الآخرين باسمها..كان الهجوم دفاعاً عن نموذج الإعلام الاستعراضي الذي يحاول تسطيح كل شيء، وتحويل كل نقاش جاد إلى عراك منخفض المستوى.
كفى محاولات لطمس الأضواء الحقيقية وإعلاء الأضواء الوهمية.
ندعو كل غيور على فن مصر وكرامة رموزها إلى رفض هذا النموذج الإعلامي السام..يجب أن نقف كجدار صد ضد أي محاولة للتقليل من شأن رجال صنعوا مجداً فنياً لمصر، بينما لم يصنع غيرهم سوى “ساعات بث” مليئة بالضجيج والفرقة.
محمد صبحي أكبر من أن تمسه أقلام مؤجرة، أو تسقطه حلقة تلفزيونية..فشكراً له لأنه يعطينا، مرة أخرى، درساً في كيف يموت العظماء واقفين، بينما يصرف الآخرون عمرهم في البحث عن كراسي واهية يجلسون عليها للحكم على من هم أكبر منهم بكثير.
لنحم رموزنا.. لأن من يفقد رموزه، يفقد ذاكرته..ومن يفقد ذاكرته، لا مستقبل له.




