منوعات

محاضرة حول “النقلة الحضارية التي أحدثتها الجمهورية في اليمن” بالمركز الثقافي اليمني 

دعاء زكريا 
أقام المركز الثقافي اليمني في القاهرة محاضرة للبرفيسور علي محمد زيد، بعنوان “النقلة الحضارية التي أحدثتها الجمهورية في اليمن”، وأدارها الإعلامي الكبير أ. أنور العنسي.
في مستهل المحاضرة، تحدث نائب مدير المركز الثقافي اليمني في القاهرة أ. نبيل سبيع، عن الدكتور علي محمد زيد، مؤكداً أن الحديث عن منجزاته في عجالة أمر صعب، فهو بروفيسور ومؤرخ وأديب قدّم العديد من الإصدارات والدراسات الفكرية والتاريخية التي أثرت المكتبة اليمنية والعربية، مشيداً بدوره في ترسيخ الهوية الثقافية الوطنية وإسهاماته الأكاديمية الغزيرة التي شكلت مرجعاً مهماً للباحثين.
أما الإعلامي الكبير أ. أنور العنسي، فقد تحدث في بداية إدارته للمحاضرة، عن أهمية الموضوع، ومكانة د. زيد، مشيراً إلى أنه د. زيد، شخصية علمية وأكاديمية مرموقة، مطلقا لعاطفته العنان واصفاً إياه بأنه “جبل من المعرفة وتيار نقي من العلم”، وقال إن شهادته فيه مجروحة، لأن الدكتور زيد يمثل لجيله نبراساً مضيئاً ومصدراً للإلهام، وله تأثير بالغ في فكره ومسيرته الإعلامية، مضيفاً أن غزارة إنتاج د. زيد، العلمي جعلت منه رمزاً ثقافياً وازناً ومثقفاً عالمياً كبيراً.
وفي المحاضرة، أكد د. زيد في حديثه على أهمية دور الشباب في الرد على الهجمات الفكرية ضد الجمهورية، مشيداً بثلاثة أجيال شابة حملت على عاتقها مهمة الدفاع عن الجمهورية وتجديد الفكر الوطني، وطرح أسئلة مشروعة عن مساراتها، مؤكداً أن الجمهورية صراع تاريخي يتجدد كل يوم، وأن هناك من يتنكر لها أحياناً بحسن نية، ما يستدعي الحوار الجاد لتصحيح المفاهيم وتجنب التضليل حول واقع الجمهورية.
وأوضح د. زيد، أن اليمن قبل قيام الجمهورية كان يعيش في خراب شامل لا يمكن تصوره، إذ لم تكن هناك خدمات عامة أو تعليم أو صحة أو طرقات، والبلاد بدأت من تحت الصفر، لافتاً إلى أن الجمهورية غيّرت حياة اليمنيين جذرياً، وانتشلتهم من الفقر والظلم والاستبداد إلى مرحلة النهضة وبناء الدولة الحديثة.
وأشار إلى أن الكتابة والثقافة في عهد الإمامة كانت متكلسة، رغم وجود مطبعة حينها، جراء تزييف التاريخ وإغلاق الطريق الثقافي من الحوليات إلى التراجم، وأن الخروج من هذا الانسداد جاء عبر الطلبة اليمنيين المبتعثين إلى الخارج، الذين تأثروا بالأفكار الحديثة وبالدور الريادي للتجربة المصرية في التنوير والتحديث، مؤكداً أن التحرر من الإمامة والاستعمار كان بمثابة “حلم مجنون” تحقق بإصرار اليمنيين وتضحياتهم.
وأوضح أن الأفكار التي نُسجت في الخارج تسربت إلى الداخل اليمني عبر المثقفين والكتّاب المقيمين من مصر، لتؤسس لحركة الضباط الأحرار، ومن ثم قيام الثورة والجمهورية، التي مثّلت نقلة حضارية كبرى.
وأضاف أن قادة الثورة لم يدرسوا بدقة الصعوبات التي ستواجههم، خاصة في ظل العجز عن مواجهة الحرب وتدخل مصر بثقلها بقيادة الزعيم جمال عبد الناصر عسكرياً.
وتطرق د. زيد إلى أن الوزراء في بداية عهد الثورة كانوا بلا وزارات حقيقية، وكانت من أهم التحديات غياب مؤسسات الإعلام والتعليم، إذ كان وزير الإعلام يعمل بلا أدوات فعالة، فالإذاعة كانت محدودة المدى، والصحف بلا تأثير، أو فاعلية، والتعليم بلا وزارة. ومع ذلك، اشتغل الوزراء والمثقفون على تجييش المجتمع للثورة وبناء مؤسساتها.
وأضاف أن القيادة اليمنية، آنذاك واجهت خياراً صعباً لتجاوز الفراغ المؤسسي، فعملت على تحويل الوجود المصري من طابع عسكري إلى طابع حضاري، فتم تأسيس ثلاث مدارس كبرى في تعز وصنعاء والحديدة، وإرسال معلمين من القاهرة لتشكيل النواة الأولى لانتشار التعليم وإرساء مداميكه، إلى جانب ابتعاث طلاب يمنيين للدراسة في مصر وعودتهم لاحقاً لبناء الدولة الحديثة.
وتحدث د. زيد عن دور الجمهورية في تحرير عدن والجنوب من الاستعمار البريطاني، مؤكداً أن الدعم والتجييش بدأ من تعز وصنعاء، ورفد الكفاح المسلح التي أدت جميعها إلى تحقيق الاستقلال الوطني، مشدداً على أن هذه التحولات تمثل نقلة حضارية لا يمكن تجاهلها، وأن من ينكرها “يغالط نفسه والتاريخ”.
وفي ختام محاضرته، شدد د. زيد، على أن مسارات الجمهورية الاقتصادية تنطلق من قرار سياسي، بينما المسار الثقافي طويل المدى، داعياً المثقفين إلى أن يكونوا صنّاع الحلم البعيد الذي يبني المستقبل، وهو ما يميزهم عن السياسي المحكوم، بالتنازلات والتوافقات للحفاظ على موقعه وجماهيره وقاعدته الشعبية.
وأكد، أن التحدي الأكبر الذي يواجه اليمن اليوم هو الحفاظ على حلم الجمهورية وبناء نظام ديمقراطي موحد خالٍ من الاستبداد والظلم والتفرد في الحكم، داعياً إلى تضافر الجهود بين المثقف والسياسي والشباب لإحياء روح الجمهورية وتجديد مشروعها الوطني الحضاري.
واكدت المداخلات، في ختام المحاضرة، على دور الجمهورية في النقلة الحضارية في بلادنا، وضرورة مواجهة أسئلة مفخخة عن رمزية الجمهورية، ومقتضيات إنشاء دولة، بنظام جمهوري عادل قائم على المواطنة المتساوية ومقاومة استيراد ايدلوجيات من الخارج أسهمت في عودة الإمامة الى اليمن مجددا.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى