

مريم عامر
تغوص رواية «لعنة أبايزو» للكاتب محمد بشير أحمد في عوالم الرعب النفسي والأسطوري، مقدِّمة معالجة سردية تتعامل مع الرعب بوصفه مدخلًا لفهم الخوف الإنساني في أبعاده العميقة، لا مجرد حالة عابرة قائمة على التخويف.
ويرى الكاتب أن الرعب يشكّل مساحة سردية لاختبار أبرز هواجس الإنسان الوجودية، وفي مقدمتها الخوف من المجهول والفقد، إضافة إلى القوى الغامضة التي تنبع من هوامش التاريخ والأسطورة وتقتحم الحياة البشرية.
وتتمحور الرواية حول شخصية أسطورية ملتبسة تُعرف باسم «أبايزو»، ارتبط حضورها في عدد من الثقافات القديمة بإجهاض النساء ووفيات الأطفال حديثي الولادة. ولا تنحصر هذه الشخصية في سياق ثقافي واحد، إذ تظهر في التراث المصري القبطي باسم «الأباساندريا»، وفي الثقافة البيزنطية باسم «غايلو»، فيما تشير نصوص سحرية تعود إلى العصور السنسكريتية القديمة وبدايات العصور الوسطى إلى تعدد أسمائها، بما يعكس رمزيتها كخوف إنساني ممتد عبر الأزمنة والجغرافيات.
وتستعيد الرواية بعض التصورات الأسطورية المرتبطة بأبايزو، لا سيما تلك المنسوبة إلى عهد النبي سليمان عليه السلام، حيث تُقدَّم بسمات رمزية قاتمة، من بينها الوجه الأخضر والشَعر المتشابك بالأفاعي، مع إسناد عدد من الكوارث الإنسانية إليها، مثل اختناق المواليد، والصمم، واضطرابات البصر، والجنون، والوهن.
ويشير الكاتب إلى أن المادة الأسطورية التي بُني عليها العمل لم تكن متاحة في مصادر شائعة، بل جُمعت من إشارات متناثرة في كتب السحر القديمة والمخطوطات النادرة، ما جعل الرواية أقرب إلى رحلة بحث معرفي، تتقاطع فيها السرديات التخيلية مع التحليل النفسي والاجتماعي.
وتبرز شخصية الدكتور مهران بوصفها محورًا رئيسيًا في مسار الأحداث، ليس باعتباره منقذًا تقليديًا، بل باحثًا روحيًا يمتلك مفاتيح معرفة قديمة، تطرح الرواية من خلاله سؤالها الجوهري حول حدود المعرفة البشرية، وإمكان مواجهة الشر بالفهم، لا بالقوة وحدها.
وتسعى «لعنة أبايزو» إلى تجاوز التصنيف التقليدي لرواية الرعب، عبر إعادة قراءة الأسطورة بوصفها انعكاسًا لمخاوف الإنسان عبر العصور، وتوظيفها في سياق إنساني معاصر يجعل من الخوف مدخلًا لفهم الذات والوجود، لا أداة للصدمة فحسب.




