
خالد جادالله
طولكرم مدينة تُصارع الذاكرة تحت الأنقاض
البيوت تسقط بصمت الاحتلال يُعيد رسم خريطة نور شمس بالجرافات والنار وهدمٌ متواصل يحاصر الذاكرة ويمنع الأهالي من وداع منازلهم الأخيرة في مشهد لم يعد نادرًا في الضفة الغربية شهد مخيم نور شمس، إلى الشرق من مدينة طولكرم موجة جديدة من الاجتياحات العسكرية لكن هذه المرة لم تكن لاعتقال أو مطاردة بل لحذف حيّ كامل من الخارطة
مع ساعات الفجر الأولى تسللت أكثر من 20 آلية عسكرية إسرائيلية إلى أطراف المخيم ترافقها جرافات ضخمة مهمتها واحدة تنفيذ عملية هدم جماعي طالت نحو 70 مبنى سكنيًا وفق ما أفاد به سكان من داخل المخيم ومع أن الإعلام المحلي تحدث عن 106 مبانٍ مستهدفة إلا أن المعلومات على الأرض تشير إلى أن العدد الفعلي قد يكون أقل لكنه أكثر دقة في استهدافه
الغريب في الأمر أن القوات الإسرائيلية لم تكتفِ بتدمير الحجر بل حرصت على إحكام السيطرة النفسية على السكان حيث منعت الأهالي من الوصول إلى منازلهم حتى لجمع الأوراق الثبوتية أو الأدوية أو حتى ذكريات بسيطة ومن تمكّن من الاقتراب واجه تحقيقًا ميدانيًا طويلًا وبعضهم أُجبر على العودة دون أن يُسمح له بالدخول
أصوات الطلقات لم تغب عن المشهد، فقد استخدم الجنود الرصاص الحي لتفريق المتجمعين على أطراف المخيم، رغم أن معظمهم لم يحملوا شيئًا سوى هواتفهم المحمولة يوثقون بها لحظة وداع قسري لمنازلهم. لم تُسجل إصابات في صفوف المدنيين لكن الخوف وحده ترك بصمته خاصة لدى الأطفال
وفي حادثة رمزية شديدة الدلالة اعتلى الجنود سطح مسجد صغير يقع وسط المخيم ورفعوا العلم الإسرائيلي فوق مئذنته هذه الخطوة أثارت صدمة وغضب الأهالي الذين اعتبروها إهانة مباشرة لمشاعرهم الدينية والوطنية
رغم أن الهلال الأحمر الفلسطيني حاول الوصول إلى المنطقة لتقديم الدعم الطبي إلا أن مركباته تعرضت لإطلاق نار تحذيري من القوات المتمركزة وأُجبر الطاقم على الانسحاب وأفاد شهود عيان بأن أحد المتطوعين تعرّض للضرب أثناء محاولته الدخول إلى منطقة الهدم
تقول مصادر محلية إن الاحتلال أخطر مؤخرًا سكان 60 مبنى بقرارات إخلاء فورية وأمهلهم ساعات محدودة لتنفيذها مما أثار موجة نزوح داخلية مفاجئة حيث لجأ بعض السكان إلى المدارس والمراكز المجتمعية في المدينة
تزامن ذلك مع انتشار مكثف للجيبات العسكرية في قلب طولكرم حيث نصبت الحواجز وشرعت بتوقيف السيارات وتفتيشها حتى محيط مستشفى الشهيد ثابت لم يسلم من التضييق
وسط كل هذا بدت المدينة وكأنها تعيش بين زمنين زمنٌ يُهدم الآن وزمنٌ يُحاول البقاء في ذاكرة أبنائها رغم رائحة الإسمنت المطحون التي تغطي المشهد