عرب وعالم

من نبض الذاكرة العربية ميس رضا تكتب: “هنا القاهرة… بغداد: محبة راسخة وعلاقات ممتدة”

منذ عقود طويلة ظل صوت إذاعة “هنا القاهرة” و”هنا بغداد” يطرق أسماع الأجيال كجسر وجداني يصل بين الشعبين المصري والعراقي، فلم تكن العلاقة بين مصر والعراق مجرد علاقات سياسية أو دبلوماسية، بل كانت ولا زالت حكاية أخوّة راسخة ومتجذّرة صنعتها المواقف النبيلة، والروابط الثقافية والاجتماعية والتاريخية، ووشائج النسب والمصاهرة.

 

فمن يعرف القاهرة وبغداد جيدًا ويمرّ بشوارعهما، يعرف أنهما ليستا مجرد مدينتين عربيتين، بل هما عنوانان لمحبة صادقة وعلاقات متينة بين شعبين جمعتهما العروبة والمصير المشترك، ومهما تعاقبت الأحداث وتقلبت الظروف، يبقى الود راسخًا.

 

فما بين دجلة والنيل، سطور من المحبة والتضامن والتكامل الثقافي والاجتماعي الممتد عبر الأجيال، أثبتتها المواقف والمحن قبل المناسبات.
“صوت بغداد كان دائمًا قريبًا من قلب القاهرة، وصدى القاهرة حاضرًا في وجدان العراقيين”، فمنذ فجر التاريخ، ومصر والعراق جناحا الأمة العربية، يسندان بعضهما في السلم والحرب، في البناء والدفاع عن القضايا المصيرية.

 

وحين تلتقي الثقافة العراقية بالعراقة المصرية، يكتب التاريخ فصلًا جديدًا من التفاهم والتكامل العربي الحقيقي وعلاقة مبنية على ذاكرة مشتركة، ونضال مشترك، ومصير مشترك.

 

صور التضامن بين الشعبين لا تُحصى، من الطلبة العراقيين الذين درسوا في الجامعات المصرية وعادوا إلى وطنهم سفراء للمعرفة، إلى المهندسين والأطباء والمعلمين المصريين الذين عملوا في بغداد وساهموا في نهضتها، حاملين معهم خبرات مصر ومودتها.

 

كما شكلت الثقافة والفن جسراً للروح لم تكن العلاقات بين الشعبين تقتصر على السياسة أو التعليم فحسب، بل امتدت إلى أعمق ما في الوجدان،

 

كم من أغنية عراقية تغنّت بالقاهرة، وكم من عمل درامي أو أدبي مصري حمل عبق بغداد بين سطوره، وكانت السينما المصرية أداة عبور قوية للهجة المصرية لقلوب الأشقاء العراقيين.

 

وحتى على مستوى الإعلام كان هناك تعاون إذاعي وإعلامي لافت، حيث مثّلت العبارتان “من القاهرة هنا بغداد” و”من بغداد هنا القاهرة” رمزًا لوحدة الروح العربية، وتلاقحًا ثقافيًا يندر أن نجد له مثيلاً.
أما الأدب، والمسرح، والسينما، والفنون التشكيلية، كلها شهدت تقاطعات ولقاءات بين مبدعين من مصر والعراق، جمعتهم قاعات العرض، ومنصات الشعر، وصفحات المجلات، وميادين الفكر… حتى بات من الصعب أحيانًا التمييز بين اللكنة العراقية وهي تهتف للقاهرة، وبين النغمة المصرية وهي تتغزّل ببغداد.

 

وعن روابط الدم والمصاهرة، فقد جسّدت الأبعاد الإنسانية للعلاقة، فأُسَرٌ عراقية استقرت في مصر، وأُسرٌ مصرية صنعت بيتها في بغداد فاختلطت اللهجات، وتشابكت الذكريات، وتكوّنت أجيال عربية الهوى، مصرية القلب، عراقية الأصل، أو العكس.

 

 

وتبقى “هنا القاهرة… هنا بغداد” صدى لا ينطفئ في الذاكرة

زر الذهاب إلى الأعلى