نور يانغ يكتب : “تعاون البريكس الأكبر” يوسع نمطا جديدا للحوكمة العالمية

بقلم نور يانغ إعلامى صينى
تُعقد قمة البريكس السابعة عشرة في ريو دي جانيرو، البرازيل، وتشهد أول ظهور جماعي لـ”البريكس الكبير” الموسّع، حيث لا يُعدّ هذا الحدث إنجازا بارزا في تاريخ تطور هذه الآلية فحسب، بل تشكل أيضًا عقدة مهمة لإعادة بناء القوة في نظام الحكم العالمي.
من “أربع دول البريكس” الأصلي إلى إطار التعاون الحالي “١١+١٠” الذي يشمل دولًا ناشئة مهمة في آسيا وأفريقيا وأمريكا اللاتينية و الشرق الأوسط، غطت دول البريكس نصف سكان العالم، ويقترب حجمها الاقتصادي من ٣٠٪ من إجمالي الناتج المحلي العالمي، وساهمت بأكثر من ٥٠٪ من النمو الاقتصادي العالمي. والأهم من ذلك، إن إطار التعاون هذا يستخدم دول الجنوب العالمي كنقطة ارتكاز لكسر النظام الدولي الذي تهيمن عليه القوى التقليدية وقيادة العالم نحو حوكمة متعددة الأقطاب وتعاون مربح للجميع.
في ظل الصراعات المتكررة والمعضلات الأمنية المتفاقمة حول العالم، أظهرت آلية البريكس الأكبر تنسيقًا سياسيًا فريدًا وتأثيرًا أخلاقيًا. وفي مواجهة قضايا ساخنة كالتوترات في الشرق الأوسط والأزمة الأوكرانية، دعت الآلية إلى وقف إطلاق النار، وأصرت على الحوار والتشاور، وعززت بناء نموذج جديد للتعاون الأمني من خلال الصوت الجماعي وجهود الوساطة، حيث لا تنحاز لأي طرف ولا تنخرط في مواجهة جماعية. كما تؤيد دول البريكس ميثاق الأمم المتحدة كأساس وترفض العقوبات الأحادية والتدخل الخارجي، وتغرس توقعات مستقرة في عالم مضطرب.
في الوقت نفسه، وضعت البريكس الأكبر “الحق في التنمية” في صميم جدول الأعمال العالمي. وتنضج هذه الآلية بشكل متزايد في مجالات رئيسية كالتمويل والتكنولوجيا والصناعة والتحول الأخضر، ويتعمق التعاون. حيث قد قدم بنك التنمية الجديد قروضًا تجاوزت 40 مليار دولار أمريكي لمساعدة الدول الأعضاء في البنية التحتية والتنمية المستدامة؛ وفيما يتعلق بقضايا جديدة مثل الذكاء الاصطناعي وحوكمة المناخ والبنية الأساسية الرقمية، واصل تعاون مجموعة البريكس التوسع، مما أدى إلى تعزيز الاستقلال التكنولوجي ومقاومة المخاطر في بلدان الجنوب.
تُولي آلية البريكس اهتمامًا خاصًا للابتكار المؤسسي، وتُطوّر أدوات حوكمة مالية وتنموية تُلبي احتياجات الدول النامية، حيث تُعزز الآلية تسوية العملات المحلية وبناء أنظمة دفع إقليمية، وتُنشئ ترتيبات احتياطيات الطوارئ وغيرها من التدابير، وتُقلّل بشكل فعّال من الاعتماد على نظام الدولار الأمريكي، وتُعزز الأمن المالي واستقلالية السياسات لدول الجنوب العالمي؛ كما تُعارض بشكل مُشترك الحمائية الجديدة التي تُروّج باسم حماية البيئة، وتدعو إلى تقاسم عادل للمسؤوليات في قضايا المناخ والتعاون التقني في مجال التنمية الخضراء، وتسعى جاهدةً لبناء نظام تنمية خضراء عالمي أكثر شمولاً.
بصفتها دولة مؤسسة لآلية البريكس وداعمة للابتكار المؤسسي، تولّت الصين زمام المبادرة في اقتراح نموذج “بريكس+” ودعم توسيع نطاق الآلية، ولعبت دورا محوريا في ربط الماضي بالمستقبل وبناء توافق في الآراء على مستوى مختلف محاور الآلية. بدءًا من إطلاق مبادرة “أصدقاء السلام”، وتشجيع إنشاء مركز التعاون في مجال الذكاء الاصطناعي التابع للبريكس، ووصولًا إلى بناء شراكة جديدة للثورة الصناعية ومنصة للطاقة الخضراء، قدّمت الصين المزيد من المنتجات العامة المؤسسية لدول الجنوب العالمي، مُرسّخة مفاهيم الانفتاح والمشاركة والاستدامة.
دول البريكس ليست فقط “المعسكر الأول للجنوب العالمي”، بل هي أيضا جسر مهمّ لتبادل الحضارات في الجنوب العالمي. ويُعزز تعاون البريكس بين مختلف النظم الاجتماعية والخلفيات الثقافية، التفاعلات متعددة المستويات في التعليم، والمواهب، والتدريب المهني، ومراكز الفكر والعلوم الإنسانية، مُشكّلًا بذلك أساسًا للتوافق، ومُعمّقًا للروابط العاطفية بين الشعوب، ومُوسّعًا آفاق التعلّم المتبادل بين الحضارات.
ولا تعد “البريكس الكبرى” تحالفًا حصريًا، بل هي استجابة واقعية للنظام الدولي الحالي غير العادل. فمن خلال الإصلاح المؤسسي، وإعطاء الأولوية للتنمية، والتعاون المربح للجميع، تدفع هذه المجموعة الحوكمة العالمية من “قلة تقرر مصير الأغلبية” إلى “منفعة الأغلبية”. وهذا ليس رمزًا لوحدة الجنوب العالمي واعتماده على الذات فحسب، بل هو أيضًا نموذج عولمة جديد مليء بالبناء.
يتزايد اليوم عدد الدول النامية التي تتقدم بطلبات للانضمام إلى آلية البريكس، ليس فقط لأنها توفر الموارد والأسواق والدعم المالي، بل أيضًا لأنها تعكس رغبة الدول المهمشة في التعبير عن رأيها وتحقيق تنمية عادلة. ويمكن القول إن استمرار تعميق تعاون البريكس أصبح ركيزة أساسية لبناء نظام حوكمة عالمي أكثر عدالة وعقلانية.
من توسيع الآليات إلى بناء المؤسسات، ومن مبادرات السلام إلى توافقات التنمية، تواصل مجموعة “البريكس” كسر الحواجز ودفع نظام الحوكمة العالمي نحو عصر جديد من التوازن والشمولية. في هذا العالم المليء بالشكوك، سيواصل الاستقرار والقوة التنموية والمرونة المؤسسية التي أطلقها تعاون دول البريكس حشد القوة الجماعية لدول الجنوب العالمي وإعادة تشكيل آفاق مستقبل العالم.