عرب وعالم

 الكاريبي ساحة اشتباك جديدة: كيف تحوّل الصراع الأمريكي–الصيني إلى مواجهة جيوسياسية حول نفط فنزويلا

أيمن عامر – محمود يوسف 

تحولت المناورات العسكرية الأمريكية قرب السواحل الفنزويلية إلى حلقة جديدة من حلقات الصراع الجيوسياسي بين الولايات المتحدة والصين في منطقة الكاريبي، في وقت تتزايد فيه أهمية الطاقة والنفوذ الاقتصادي في تشكيل موازين القوى الدولية. ويعود أصل التوتر إلى مرحلة ما بعد 2017، حين بدأت واشنطن تشديد عقوباتها الاقتصادية والمالية على كاراكاس، ثم توسعت في 2019 لتطال قطاع النفط الذي يمثل أكثر من 90% من إيرادات فنزويلا من العملة الصعبة.

ومع دخول الصين وروسيا بثقل أكبر في استيراد النفط الفنزويلي ودعم الاقتصاد المتعثر، أصبحت المياه الإقليمية وخطوط النقل البحري المرتبطة بتصدير النفط ساحة ضغط غير مباشرة، تتقاطع فيها الحسابات الأمريكية مع مصالح بكين المتنامية في أمريكا اللاتينية.

وجاءت حادثة احتجاز ناقلة النفط المرتبطة بشركة صينية في ديسمبر/كانون الأول لتكشف عن مستوى جديد من التصعيد، خاصة وأن الصين تُعد الشريك النفطي الأبرز لكاراكاس خلال السنوات الأخيرة، مع تقديرات تشير إلى استيرادها ما بين 400 و700 ألف برميل يوميًا بطرق مباشرة وغير مباشرة رغم العقوبات. وهو ما جعل أي تحرك أمريكي يستهدف سلاسل الإمداد النفطية يُنظر إليه كإشارة واضحة لحدود تمدد الصين خارج المجال الآسيوي.

واتسم النهج الأمريكي تجاه فنزويلا خلال السنوات الماضية بتصعيد تدريجي، بدأ بالعقوبات المالية، ثم ملاحقة الشركات الوسيطة، وصولًا إلى تشديد الرقابة البحرية والقيود على التأمين والنقل. وصولا إلى الاستهداف العسكرى والصاروخى لمراكب صيد لفنزويليين فى المياه المحلية ، ورغم أن هذا المسار لم ينجح في تغيير النظام السياسي في كاراكاس، فإنه أدى إلى انهيار اقتصادي غير مسبوق، مع تراجع الناتج المحلي بأكثر من 70% خلال عقد واحد، وخلق أزمة إنسانية واسعة هزت استقرار المنطقة.

في المقابل، حافظت الصين على سياسة دعم طويل المدى، مستمرة في ضخ الاستثمارات والقروض مقابل الطاقة، ما أبقى الاقتصاد الفنزويلي قادرًا على تصدير الحد الأدنى من إنتاجه. وتزامن ذلك مع توسع العلاقات الاقتصادية بين بكين ودول أمريكا اللاتينية، التي تجاوزت قيمة تبادلها التجاري 450 مليار دولار سنويًا، وهو ما يحد من قدرة واشنطن على تشكيل موقف إقليمي موحد ضد الصين أو حلفائها.

وكشفت ردود الفعل على احتجاز الناقلة تباينًا واضحًا؛ إذ وصفت فنزويلا الإجراء بـ”القرصنة الدولية”، فيما اكتفت الصين بموقف دبلوماسي حذر يؤكد رفض الإجراءات الأحادية واحترام القانون الدولي، مع إدراكها أن أي تحرك أمني مباشر في الكاريبي قد يمنح واشنطن ذريعة لإعادة عسكرة المنطقة.

اقتصاديًا، تسهم هذه المناورات في رفع تكاليف النقل والتأمين على النفط الفنزويلي، وتقليص هوامش الربح، وإجبار الشركات الصينية على ابتكار طرق التفاف أكثر تعقيدًا، في وقت يعاني فيه سوق الطاقة العالمي من اضطرابات متكررة.

وسياسيًا، يؤثر السلوك الأمريكي على صورتها في أمريكا اللاتينية، حيث تعتبر قطاعات واسعة من النخب أن العقوبات البحرية استمرار لسياسات الهيمنة التقليدية، بينما تستفيد الصين من تقديم نفسها كشريك اقتصادي غير مشروط.

دوليًا، يعكس هذا التوتر انتقال الصراع الأمريكي–الصيني إلى ساحات جديدة تعتمد على الضغط الاقتصادي والتحكم في طرق التجارة بدلًا من المواجهات العسكرية المباشرة، وسط توقعات باستمرار هذا النمط التصادمي خلال السنوات المقبلة.

ويرجّح مراقبون أن المرحلة المقبلة ستشهد مزيدًا من الاحتكاكات غير المباشرة، سواء عبر تشديد العقوبات أو حوادث بحرية محدودة، دون الانزلاق إلى مواجهة عسكرية شاملة. وفي المدى المتوسط، قد يسهم هذا المسار في إعادة تشكيل ميزان النفوذ في أمريكا اللاتينية، مع تعزيز الدور الصيني وتراجع قدرة الولايات المتحدة على فرض إرادتها منفردة، لتصبح فنزويلا نقطة اختبار بارزة لتحولات النظام الدولي الجديد.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى