مقالات الرأي

عبدالعزيز سلام يكتب : الصين تُخضّر الرمال… تجربة رائدة في مواجهة التصحر واستصلاح الصحراء… ودروس ملهمة للعالم العربي

بقلم: عبدالعزيز سلام

الإعلامي بالتلفزيون الصيني

بينما تتسع رقعة التصحر عالمياً وتهدد الأمن الغذائي والاستقرار البيئي في العديد من الدول، نجحت الصين في قلب المعادلة. فمن دولة عانت من اتساع الصحارى وتهديد الزحف الرملي، تحوّلت إلى نموذج عالمي في محاربة التصحر واستصلاح الأراضي القاحلة. بأساليب علمية وتقنيات فائقة التطور، لم تكتفِ الصين بإيقاف تمدد الرمال فحسب، بل حوّلت الصحراء إلى واحات خضراء ومنتجة.
فما هي أسرار هذه المعجزة البيئية؟ وما أحدث ما توصلت إليه الصين في هذا المجال؟ والأهم: كيف يمكن للدول العربية التي تمتلك أكثر من 80% من أراضيها ذات طبيعة صحراوية – أن تستلهم التجربة الصينية وتحوّل التحدي إلى فرصة؟

صحراء تحولت إلى مختبر للتجربة والنجاح

منذ ستينيات القرن الماضي، بدأت الصين تدرك الخطر المتزايد للتصحر، خاصة في مناطق الشمال والشمال الغربي. ومع تكرار العواصف الرملية وازدياد تهديدها للمدن والسكان، تحركت الدولة باتجاه استراتيجية طويلة الأمد لمكافحة التصحر، بدءاً من زراعة الأشجار التقليدية إلى اعتماد أنظمة متقدمة من التقنيات الحيوية والرقمية.

تقنيات رائدة: من الأقمار الصناعية إلى بذور مقاومة
نظام مراقبة التصحر بالأقمار الصناعية: •
أطلقت الصين سلسلة من الأقمار الصناعية المخصصة لمراقبة التغيرات البيئية، مما ساعد في تتبع حركة الرمال ورصد المناطق الأكثر تهديداً.
: تقنية تثبيت الرمال باستخدام البوليمرات الحيوية•
ابتكر العلماء الصينيون مواد صديقة للبيئة تُرش على الرمال فتُكوِّن طبقة صلبة تمنعها من التطاير، وتوفر بيئة مؤقتة لزراعة الأشجار والأعشاب.
الزراعة بالتنقيط والري الذكي:•
في صحراء كوبوتشي، إحدى أكبر الصحارى الصينية، طورت الصين أنظمة ري ذكية تعتمد على الطاقة الشمسية وتوفر ما يصل إلى 70% من المياه مقارنةً بالطرق التقليدية.
بذور معدلة وراثياً تقاوم الجفاف:•
تم تطوير أنواع من النباتات تستطيع النمو في بيئة شديدة الجفاف، ما ساعد في بناء غطاء نباتي دائم في مناطق كانت يوماً غير صالحة للحياة.

مشروع “السور الأخضر العظيم” الصيني

واحد من أكثر المشاريع طموحاً في التاريخ الحديث، يمتد هذا السور من شينجيانغ غرباً حتى هيلونغجيانغ شرقاً، ويهدف إلى زراعة أكثر من 100 مليون هكتار من الأشجار بحلول عام 2050. وقد ساهم هذا المشروع في تقليص مساحة التصحر بمعدل يُقدّر بأكثر من 2000 كيلومتر مربع سنوياً.

دروس ملهمة للعالم العربي
الدول العربية – من الخليج إلى شمال إفريقيا – تواجه تحديات مماثلة، من الجفاف والتصحر إلى ندرة المياه. التجربة الصينية تقدم خارطة طريق يمكن الاستفادة منها عبر:
. الاستثمار في البحث العلمي الزراعي وتطوير محاصيل مقاومة للجفاف•
اعتماد تقنيات تثبيت الرمال والري الذكي بالطاقة الشمسية.•
إطلاق مشاريع إقليمية مشابهة لـ”السور الأخضر” على مستوى الصحراء الكبرى أو الجزيرة العربية.•
تعزيز التعاون مع الصين في مجالات التكنولوجيا البيئية ونقل الخبرات.•

في مواجهة التصحر، لم تعتمد الصين على الشعارات، بل اختارت طريق الابتكار والتخطيط البعيد المدى. واليوم، تقف كدليل حي على أن الإرادة السياسية والعلم يمكن أن يصنعا الفرق حتى في وجه أصعب التحديات الطبيعية. لقد آن الأوان للدول العربية أن تستثمر في البيئة كما تستثمر في البنية التحتية، وأن تحوّل صحراءها إلى فرصة… تماماً كما فعلت الصين.

زر الذهاب إلى الأعلى