الرئيسيةمقالات الرأي

محمد الغربي عمران يكتب : “رواية تحرير أورشليم ملحمة عربية  ورسالة أمة “

اليمن .. بقلم : محمد الغربي عمران

اليوم نحن أمام رواية مختلفة. ولماذا مختلفة؟
لأن كثيراً من الكتّاب يكتبون عن الحب والرومانسية وما شابه، بينما رواية الدكتور وليد  العليمى تحمل رسالة عميقة. فالرواية عنده ليست مجرد تسلية أو إضاعة وقت، بل هي مشروع فكري وأدبي يحمل همّاً وطنياً، وقومياً، ودينياً. هي رسالة إلى الأعداء بأن الوطن ما يزال بخير، وفيه ثقافة وأدب، وأن بلدنا أصيل برجاله ونسائه، وأهله ومثقفيه.
 
هذه الرواية امتداد للملاحم، ومن يقرأها يدرك أنها ملحمة حقيقية. تذكرك بعنترة بن شداد، وأبو زيد الهلالي وغيرهم. لقد اختارت الرواية هذا المسار الملحمي، وانتمت إلى هذا الجسد العريق من الأدب. هناك من يقول إن الرواية ابتكار غربي أو أوروبي، وأنا أقول: نعم، تطور الرواية الحديثة جاء من الغرب، لكن الملاحم العربية قديمة وضاربة في التاريخ منذ آلاف السنين.
 
هذه الرواية أخذت منحى الملحمة أولاً، ثم تناولت قضية من أهم قضايا اليوم. فالدكتور وليد عاد إلى الماضي ليعرّينا أمام حاضرنا، يعرّينا في قضايا الوطن والأمة والدين، لا كيمنيين فقط، بل كمسلمين وعرب. نحن اليوم، رغم وضعنا الاقتصادي المتردي، ما زلنا نقاتل، بينما كثير من العرب والعجم يعلنون دعمهم لفلسطين، لكنهم في الخفاء يمدون يد العون للصهاينة.
 
ومما يلفت الانتباه في هذه الرواية أنها جاءت بلا تبويب للفصول، بل عنوان واحد ممتد حتى النهاية، كما كانت الملاحم القديمة. والرواية تجبرك على البحث، فهي غنية بالمصطلحات والأسماء والرموز، وغنية أيضاً بالأديان. لم يكتفِ الكاتب بالمسيحية وحدها، بل ذهب إلى ما هو أبعد، ليقدّم أجوبة عن أسئلة الصراع التاريخي الذي يمتد لآلاف السنين بين المسلم واليهودي.
 
إنها رواية مختلفة، لأنها تدفعك إلى القراءة والبحث فيما وراءها. وأنا على يقين أن الدكتور وليد لم يكتبها وهو جالس في لحظة فراغ، بل بذل جهداً كبيراً ووقتاً طويلاً وشاقاً ليخرج لنا هذا العمل العظيم.
 
أما اللغة، فهي فصحى جزلة، مليئة بالمفردات والمعاني. حتى أن القارئ العادي قد يجد نفسه مضطراً للعودة إلى المعاجم لفهم بعض الألفاظ. اللغة هنا مثل الكائن الحي: تولد، وتنمو، وتشيخ، وتفرز مفردات قديمة وتستولد أخرى جديدة. لقد أحيى الكاتب الكثير من مفردات الزمن القديم، وهو أمر مذهل. فلو أردت أنا أن أكتب عن تهامة أو مأرب مثلاً، لكان عليّ أن أحيط بلهجاتها وهذا أمر صعب وأنا أعيش بينهم، فكيف بإحياء لغة مندثرة منذ مئات السنين! لكن الدكتور وليد استطاع أن يستخرجها ويعيدها إلى الحياة عبر هذه الرواية.
 
والجانب الآخر هو الثراء المعرفي. نحن بحاجة إلى أن نُذَكِّر الناس بأن الصراع ليس وليد اليوم، بل هو صراع ممتد منذ القدم: بين الأديان الوثنية والسماوية، ثم بين الأديان السماوية نفسها، وهو ما وضّحته الرواية وأبرزت أثره على الفرد والمجتمع.
 
اليوم أبارك للدكتور وليد هذا الإصدار المميز، وأدعوه إلى المزيد من الكتابة في مثل هذه القضايا التي تخدم الأمة. فالرومانسية تخدم بعض المشكلات الاجتماعية الصغيرة، كخلافات شخصية هنا وهناك، لكن هذه الرواية جعلتني أعيد النظر، وأدرك قيمة الكاتب. رأيت في هذا الرجل، بوزنه الستين أو السبعين كيلوغراماً، جبلاً من جبال اليمن بما قدمه من عمل عظيم.
 
وأتمنى من الجميع أن يقرأوا هذه الرواية، وأن تنتشر في كل مكان، وأن يقرأها اليمني والعربي، وأن تُترجم إلى لغات أخرى، ليعرف العالم ما في اليمن من حضارة وأدب وكُتّاب عظماء.

زر الذهاب إلى الأعلى