غزة تنزف، وتصعيد استيطاني واعتداءات دامية في الضفة والقدس: الفلسطينيون يواجهون أسوأ نزوح منذ 1967

أيمن عامر
تواصل قوات الاحتلال الإسرائيلي ارتكاب المجازر بحق الفلسطينيين في قطاع غزة، حيث شهدت طوال الأسبوع الماضي قصفاً عنيفاً ونسفاً متعمداً للأبراج والمباني السكنية، ما أسفر عن ارتفاع غير مسبوق في حصيلة الضحايا بين الشهداء والجرحى. فيما لا يزال عشرات الآلاف من المدنيين محاصرين في منازلهم وغير قادرين على النزوح بسبب القصف العشوائي الكثيف الذي يستهدف الأحياء السكنية المكتظة بالسكان. ووفقاً لمرصد منظمة التعاون الإسلامي لجرائم إسرائيل ضد الفلسطينيين، فقد قتلت قوات الاحتلال الإسرائيلي خلال الفترة من 23 وحتى 29 سبتمبر 2025 أكثر من (716) فلسطينياً وأصابت (1,593) آخرين في هجمات جوية ومدفعية وبسبب إطلاق النار المباشر، ضمن حرب الإبادة الجماعية المستمرة منذ السابع من أكتوبر 2023.
وقد استهدفت الغارات الإسرائيلية منازل مأهولة وتجمعات مدنيين كانوا بانتظار المساعدات الإنسانية، الأمر الذي أدى إلى ارتفاع حصيلة الشهداء منذ بداية العدوان إلى (67,102) شهيد وأكثر من (177,474 ) جريح. ومن أبرز تلك الهجمات قصف برج “مكة” السكني في حي الرمال الجنوبي بمدينة غزة، بعد إنذار قصير للسكان. وكان يضم مئات العائلات الفلسطينية النازحة، بينما تنتشر حوله خيام تؤوي عشرات الأسر الأخرى، ما أدى إلى تفاقم حجم الكارثة الإنسانية. وفي الأسابيع الأخيرة، فجرت قوات الاحتلال عشرات الأبراج ومئات المباني السكنية في أنحاء المدينة في سياسة وصفتها منظمات دولية بأنها تهدف إلى تهجير الفلسطينيين قسرياً وإفراغ المدينة من السكان.
وفي القطاع الصحي، واصل جيش الاحتلال الإسرائيلي استهداف محيط مجمع الشفاء الطبي ومنع الوصول إليه، مما أعاق وصول سيارات الإسعاف والجرحى، في محاولة لتطويق المنطقة وإجبار السكان على النزوح. كما كثف الاحتلال القصف على مخيم الشاطئ غرب مدينة غزة، مستخدماً الغارات الجوية والعربات المفخخة، ما أدى إلى مجازر بحق المدنيين بينهم نساء وأطفال. وسجل المرصد الإعلامي للمنظمة عشرات الإصابات والوفيات بين طالبي المساعدات جراء إطلاق النار عليهم أثناء اصطفافهم للحصول على المعونات، في وقت استمرت حالات سوء التغذية حصد أرواح المدنيين مع الانهيار الشامل للقطاع الصحي.
وأكد مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية أن معدلات الغارات الجوية ارتفعت إلى معدل غارة واحدة خلال كل ثماني أو تسع دقائق في المتوسط، وأن طواقم الميدان وثقت عمليات قصف بالطائرات الحربية والطائرات المروحية والطائرات المسيّرة، إلى جانب إطلاق النار المباشر على مدنيين ينتظرون المساعدات. وفي ظل هذا العدوان، استمر النزوح الجماعي من شمال ووسط مدينة غزة نحو الجنوب، لكن الوضع هناك يوصف بأنه مزرٍ وغير قابل للحياة، بينما بقي مئات الآلاف محاصرين داخل المدينة وبلا ممرات آمنة.
وأفادت منظمة الصحة العالمية أن أربعة مستشفيات في شمال القطاع أغلقت منذ مطلع سبتمبر الجاري جراء القصف وأوامر النزوح، فيما خرجت مئات المرافق الصحية عن الخدمة؛ وأن أكثر من 15000 جريح هم بحاجة إلى إجلاء طبي عاجل، لكن العملية تسير ببطء شديد. وبحسب مرصد منظمة التعاون الإسلامي، فإن القطاع الصحي في غزة يلفظ أنفاسه الأخيرة، في ظل أزمة وقود خانقة تهدد بإغلاق ما تبقى من المستشفيات.
على الصعيد التكنولوجي، كشف رئيس شركة مايكروسوفت أن الجيش الإسرائيلي استخدم خدمات الشركة لتخزين بيانات مكالمات هاتفية مدنية حصل عليها من خلال مراقبة واسعة للفلسطينيين في غزة والضفة الغربية. وأكد أن الشركة أبلغت وزارة الدفاع الإسرائيلية بوقف وتعليق بعض الخدمات التي اُستغلت لهذه الأغراض.
وفي موازاة ذلك، يواصل أسطول “الصمود العالمي” رحلته نحو قطاع غزة محاولاً كسر الحصار، وقد أعلن أنه بات على بعد 825 كيلومتراً من القطاع، وقد تعرض لهجمات بطائرات مسيّرة يُعتقد أن إسرائيل نفذتها، ما تسبب في انفجارات وانقطاع الاتصالات. على الرغم من ذلك، استمر أكثر من 50 قارباً يحمل 500 ناشط من 45 دولة بالتقدم نحو غزة، بينهم أطباء وحقوقيون بارزون. وقد أعلنت إيطاليا وإسبانيا إرسال سفن بحرية لمرافقة الأسطول وتأمين وصوله بعد هذه الهجمات.
وفي الضفة الغربية المحتلة بما فيها القدس الشرقية، شهد الأسبوع من 23 وحتى 29 سبتمبر 2025 تصعيداً خطيراً بفعل اعتداءات قوات الاحتلال الإسرائيلي والمستوطنين. فقد أصيب عدد كبير من الفلسطينيين خلال هجمات متفرقة شملت إطلاق الرصاص والدهس المتعمد شمال مدينة نابلس، حيث تعرض شاب للدهس قرب قرية اللبن الشرقية، فيما نُقل آخر إلى المستشفى الاستشاري في رام الله بسبب إصابة بالغة إثر عملية دهس ثانية قرب المدخل. كما تعرضت سيارات فلسطينية لهجمات بالحجارة من قبل مستوطنين قرب مستوطنة “يتسهار”، ما أدى إلى أضرار مادية جسيمة بعدد من المركبات.
وفي القدس الشرقية، اقتحم مستوطنون بلدة سلوان جنوبي المسجد الأقصى، وبدعم من قوات الاحتلال اقتلعوا أشجار زيتون من أراضي الفلسطينيين في حي واد الربابة. وأقيمت بؤرة استيطانية جديدة على أراضي بلدة دير استيا شمالي غرب سلفيت، حيث نصب المستوطنون خياماً على مساحة تبلغ 44 دونماً.
كما هاجم المستوطنون تجمعاً بدوياً في بلدة مخماس شمال شرق القدس، وداهموا تجمع “خلة السدرة”، حيث منعوا السكان من استخدام الطريق الوحيد المؤدي للتجمع وقطعوا كوابل الكهرباء ما تسبب في انقطاع التيار. وبحسب هيئة الجدار والاستيطان، تسبب إرهاب المستوطنين الإسرائيليين إلى الآن في تهجير أكثر من 30 تجمعاً بدوياً يضم 323 عائلة، كان آخرها تجمع “مغاير الدير” شرقي رام الله.
في جبل البابا جنوب شرق القدس، يواجه نحو 450 فلسطينياً بدوياً خطر التهجير القسري مجدداً، بعد أن صادقت سلطات الاحتلال على مخطط استيطاني يعرف باسم (E1)، ما يهدد بفصل شمال الضفة عن جنوبها ويمنع قيام دولة فلسطينية متصلة.
وفي الخليل، واصلت مجموعات المستوطنين اعتداءاتها، إذ اقتحموا أراضي الفلسطينيين في قرية امريش بمنطقة خلة السلاسل ونصبوا أعلام الاحتلال وبيوتاً متنقلة. كما اعتدوا على أراضي مسافر يطا وخربوا خزانات المياه وأتلفوا الأعلاف وسرقوا الممتلكات. وفي البلدة القديمة بالخليل منعت قوات الاحتلال طلاب مدرسة زياد جابر من الوصول إلى صفوفهم التعليمية بعد فرض منع للتجوال.
كما شهدت الضفة اعتداءات تمثلت بقيام مستوطنين برعي أغنامهم في أراضي الفلسطينيين المزروعة بالزيتون في بيت لحم، إلى جانب اعتقالات واسعة طالت 17 مواطناً من قرية كفر لاقف قرب قلقيلية ومداهمة المنازل وتخريب الممتلكات. وقد تزامن ذلك مع مصادقة الكنيست على مشروع قانون “إعدام الأسرى الفلسطينيين” في قراءة أولى، وهو أخطر تجسيد لمساعي الاحتلال الإسرائيلي لإضفاء “شرعية قانونية” على سياسات القتل خارج القانون.
وتؤكد هذه التطورات أن الضفة الغربية تشهد أسوأ أزمة نزوح وتهجير منذ عام 1967، حيث أعلنت وكالة الأونروا أن أكثر من 42 ألف مواطن اضطروا لترك منازلهم هذا العام.
وفي القدس، اقتحم المستوطنون المسجد الأقصى المبارك طوال الأسبوع بحماية شرطة الاحتلال على شكل مجموعات متتابعة، ونفذوا جولات استفزازية وأداء طقوس تلمودية في باحاته، فيما فرضت سلطات الاحتلال قرارات إبعاد على خطيب المسجد الأقصى وعدد من سكان القدس مدة ستة أشهر. كما أغلقت قوات الاحتلال الحرم الإبراهيمي أمام الفلسطينيين وحرمتهم من الصلاة داخله، بحجة تمكين المستوطنين من ممارسة طقوس دينية داخله.