الاقتصادالرئيسيةمقالات الرأي

د ليلي الهمامي : الوحدة العربية ممكنة من خلال النخب قبل الانظمة

بقلم : د ليلي الهمامي 

 أستاذ الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة لندن 

 

عندما طَرحتُ مسألة الوحدة، طرحتها من زاوية برغماتية، لا علاقة لها بالشوفينية، لا علاقة لها بالمثاليات أو بالشعارات الشعبوية. 

أعتقد أنها ضرورة تاريخية؛ من زاوية الاقتصاد والديموغرافيا والموقع الاستراتيجي والثروات على اختلاف اشكالها. 

أعتقد أن الاتجاه نحو إعاده إنتاج النموذج الاوروبي، نموذج الاتحاد الاوروبي، الذي يحافظ على شخصية الدولة الوطنية، ليجعل من الدول الاعضاء في اجتماعها قاعدة لبناء المؤسسات المشتركة، المؤسسات الاوروبية المشتركة، هذا ممكن بالنسبة لنا. 

تاريخيا التوحيد يتم إما بحد السيف، أو بالتدرج وفق العمل الدبلوماسي، وفق مقتضيات البحث عن التكامل والقواسم المشتركة. هذا هو فكري وهذا هي عقيدتي. 

أعتبر أن هذه ضرورة، ومن هذا الباب، من زاوية أن نحافظ على الدول الاعضاء، ومن زاوية أننا نتجنب الاستراتيجيات البعثية، التي كانت تراهن على قلب الأنظمة، التي كانت تصنفها رجعية، والتي كان يصنفها الغرب بكونها الانظمة المعتدلة، في المنطقة العربية، من خلال اقامة القيادة القومية… بعيدا عن هذه الاستراتيجية، أعتقد أن البناء المتدرج، انطلاقا من التعليم، انطلاقا من البحث عن القواسم المشتركة في تاريخنا، انطلاقا من توحيد حتى تعليم اللغات، والتقنيات في علاقة بمجالات الهندسة والطب والذكاء الاصطناعي، تبادل الخبرات، ضمان الحركه الحره والتنقل الحر للمواطنين العرب، منح امتياز للمواطنين العرب في دخول الاراضي العربية، مع اعتبار بالطبع، الشرط الأمني وضرورة التثبت الأمني..، هذه هي الاشياء التي من شأنها بناء الشخصية المشتركة؛ إعادة تنشيط الشخصية العربية لأن الشخصية العربية قائمة، موجودة، وهي محفوظة لدى الشعوب، الى حد ما، رغم أن عديد المناسبات تبرز فتورا وهبوطا في منسوب الشعور القومي لدى مختلف الشعوب، لكن هذا لا يمنع أن ثمة شخصية مشتركة، شخصية عربية مشتركة ثرية وملونة، بين مختلف مكونات هذا العالم العربي. أننا انطلاقا من المعطى اللغوي، يمكننا ان نؤسس لاشياء مشتركة من شأنها ان تكون الطريق الممهدة لوحدة ليست بالضرورة اندماجية، ليست بالضرورة بناء لدولة موحدة بنفس الهياكل… لكن نتدرج ، ولو انطلاقا من اصلاح مؤسسات الجامعة العربية وتفعيلها. 

ليس من باب المصادفة، الحقيقة،ن نجد أن المؤسسةَ الاكثرَ نجاحا في الجامعة العربية، هي مجلس وزراء الداخلية العرب!!! 

التبادل الخبري والفني والمعلوماتي بين الانظمة العربية في مجال الامن شغال 100% كما يقال هنا… اليوم، كيف يمكننا أن نؤسس لما هو في علاقة بديناميكية المجتمعات، بما أن الأمن هو الشغل الشاغل للانظمة القائمة، كيف نستغل هذا النجاح، او دعونا ندفع في اتجاه نجاح آخر، في مجال التعليم، نجاح آخر في مجال السياحة البينية. كل هذه المسائل ممكنة. 

أنا لا أطرح الاشياء من زاوية سلبية. أعود وأكرر انني اريد ان نتقدم… علينا ان نجرّب، حتى في المعنى والمنهج التجريبي، سنخطئ سنتعثر، لكن علينا ان نصر على النجاح، علينا أن نثابر في المحاولة وليس في ذلك اي استحالة. 

أعتقد أن جملة من الاشياء ممكنة اذا ما نأينا بأنفسنا عن الاشياء التي تُغضِـب، كما يقول الفرنسيون… 

يمكن ان ننجح! وهذه قناعتي وسأواصل وسأثابر في هذا النهج. 

في المجال التربوي، عشنا تجربة في تونس في علاقه بالعراق، عراق صدام حسين رحمه الله. التجربة خلال الثمانينات تتنقل في هدية من العراق؛ مجموعة من الكتب، من ضمنها كتاب الفلسفة. 

البكالوريا في تونس خلال الثمانينات اعتمدت كتاب الفلسفه المهدى من العراق، كتاب رائع جدا بفصول متنوعة، استقطب عديد الطاقات الفكرية، حفز عديد الطاقات الفكرية. 

حين نذكّر أن البكالوريا في تونس في مادة الفلسفة خلال الثمانينات اعتمدت مرجعا مهدى من العراق، نقول أنه ليس ثمة امر اكثر ملموسية من هذا. يعني أن تجر الوحدة، تجربة توحيد المناهج، تجربة الوحدة القطاعية والجزئية المتدرجة أمر ممكن. يمكننا ان نجح في هذا!!! نجحنا في السابق في عديد المناسبات حتى وان كانت هذه المناسبات بمثابه الاقواس التي تغلق، بعد خلاف سياسي. لذلك ، فقط علينا ان ننأى بما يمكن ان يتحقق عن التجاذبات السياسية وعن المشاحنات. هذا هو المطلوب. 

المطلوب من الحكام العرب، ألا يمسوا المكاسب متى توترت العلاقات بينهم… فقط!!! 

 يمكننا ان نتجه نحو بناء كيان موحد، بناء كيان فيه المشترك وفيه المتباين والخاص؛ الخصوصية تُحفظ والمشترك يدعٌَم ويُحفظ ايضا.

ملاحظة :

الوحدة استحقاق تاريخي منذ الهزيمة التي مني بها العرب بانتقال الخلافة الى تركيا، وتفكيك الامبراطورية العثمانية… كان المفروض أن يتجه العرب نحو التكتل، نحو التوحد، على مسارات الاندماج التدريجي التراكمي، في مجالات الاقتصاد والتجارة والسياحة والثقافة، في مجال المعرفة والتربية. 

كان المفروض أن يتحقق هذا!!! 

الآن اكثر من أي وقت مضى وسط التكتّلات الدولية والمخاطر المحيطة بنا، وما دام للعرب كل عناصر القوة، وما دام العرب شروط التشكل كقوة اقليمية، بعيدا عن كل طموح عسكري، بعيدا عن كل طموح توسعي، يمكن للعرب ىن يتشكلوا كقوة وأن تنعم الشعوب العربية بالثروات العربية، وبفرص الاستثمار وبفرص التربية وبكل ما للعرب من امكانات…

من يدافع عن الانعزالية ومن لديهم رؤية عدمية، هم فقط بعض الانانيات، بعض الحالات الانانية القطرية المتقوقعة على مصالحها الضيقة والتي تنتهي دائما بنهايات سيئة.

 

‫2 تعليقات

  1. زيزتي الدكتورة ليلى الهمامي ل
    – من أجل هذه الافكار التنويرة والطوباوية والتي أعتقد أنها تستند على نوع من أنواع الفلسفة ” الرواقية” ، لن تجدي من يساندك في معركة الرئاسة التونسية، ولن يجد كل مؤمن بهذه الأفكار مكانه الحقيقي في المواقع التنفيذية القادرة على صناعة واتخاذ القرار..
    عزيزتي الدكتورة الدكتورة ليلى الهمامي::
    – فشلت الوحدة العربية لأن المشروعات كانت عاطفية أكثر من كونها مؤسسية، ولأن الانقسام خدم مصالح داخلية وخارجية.. وحتى اليوم، تظل الوحدة حلمًا ثقافيًا وشعوريًا أكثر منها مشروعًا سياسيًا واقعيًا.
    – أنا لست إنهزامي أو عدمي أو نتشوي .. ولكن تأكدي أن الفلسفة “النظرية الواقعية – الميكافيلية” “مازات دائما تنتصر في الحياة السياسية والأمنية وفي حقل العلوم والدراسات السياسية والعلاقات الدولية- التي تحكم الدول والمجتمعات الانسانية المعاصرة .
    – هل تتصوري أن هذه الأفكار او تلك ألاحلام والأمنيات الواردة في المقال أو حتى إستراتيجيات خطط تطبيقها – أقصد الوحدة العربية – غير معلومة للقادة والمجتمعات العربية أو أنها لم تقتل بحثاً في جامعات وكليات ومراكز أبحاث وعلماء وبحاثيين في كافة مجالات التعاون الرامية إلى تحقيق الوحدة، أؤكد لك ولكل القراء أنه قتللت بحثاً حتى في اروقة جامعة الدول العربية ذاتها منذ إنشاؤها؟
    يمكن تلخيص أهم الأسباب التي حالت دون تحقيق الوحدة العربية في النقاط التالية:
    🧩 أولاً: الأسباب السياسية
    – اختلاف الأنظمة السياسية.. حبث تشكلت في الدول العربية أنظمة متباينة (ملكية، جمهورية، اشتراكية…)، ولم تتفق على نموذج موحد للحكم.
    – الارتباط بالمصالح الإقليمية والدولية .. القوى الاستعمارية (خصوصًا بريطانيا وفرنسا ثم الولايات المتحدة) سعت إلى إبقاء العرب مجزئين حتى يسهل التحكم في مواردهم ومواقعهم الإستراتيجية.
    – ضعف الإرادة السياسية .. كثير من الزعماء رفعوا شعار الوحدة لأغراض دعائية، دون نية حقيقية لتسليم السيادة أو الاندماج المؤسسي.
    ⚔️ ثانيًا: الأسباب التاريخية
    – الإرث الاستعماري والتقسيمات المصطنعة.. اتفاقيات مثل سايكس بيكو (1916) رسمت حدودًا بين الدول العربية دون اعتبار للواقع الاجتماعي والثقافي.
    – تعدد الولاءات القُطرية .. ونشوء الدولة الوطنية جعل المواطن يرتبط أكثر بدولته الصغيرة بدل الفكرة العربية الكبرى.
    💰 ثالثًا: الأسباب الاقتصادية
    – عدم التكامل الاقتصادي العربي .. الدول العربية لم تنشئ سوقًا عربية مشتركة فعالة رغم تأسيس مؤسسات مثل الجامعة العربية ومنطقة التجارة الحرة العربية الكبرى.
    اختلاف الموارد والمصالح.. دول غنية بالنفط مقابل أخرى فقيرة بالموارد، ما خلق تفاوتًا في الأولويات والتوجهات الاقتصادية.
    🧠 رابعًا: الأسباب الاجتماعية والثقافية
    – التنوع الكبير في اللهجات والثقافات : رغم وحدة اللغة العربية، إلا أن الفروق الثقافية والإقليمية لعبت دورًا في ضعف الشعور بالانتماء القومي المشترك.
    – صعود الهويات الفرعية: الطائفية، القبلية، والمناطقية أصبحت أحيانًا أقوى من الهوية العربية الجامعة.
    * خامسًا: العوامل الخارجية
    – النفوذ الأجنبي المستمر: القوى الكبرى دائمًا كانت تتدخل لإفشال أي مشروع وحدة قد يهدد مصالحها في المنطقة.
    ا- لقضية الفلسطينية : رغم أنها قضية جامعة، إلا أن الخلاف حول طرق التعامل معها سبب انقسامات بين الدول العربية.
    عزيزتي الدكتور الدكتورة ليلى الهمامي
    أعنذر على الإطالة واعتذر عن رؤيتي النقدية .. ولكن أعود واكرر لقدفشلت الوحدة العربية لأن المشروعات كانت عاطفية أكثر من كونها مؤسسية، ولأن الانقسام خدم مصالح داخلية وخارجية.. وحتى اليوم، تظل الوحدة حلمًا ثقافيًا وشعوريًا أكثر منها مشروعًا سياسيًا واقعيًا.
    خالص تحياتي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى