

خالد وربى
أكدت ميليسا فليمينغ، وكيلة الأمين العام للأمم المتحدة للتواصل العالمي، أن الإعلام في العالم يمرّ بمرحلة دقيقة تتطلب التمسك بالحقائق والمهنية في ظل التحديات التي تفرضها التقنيات الحديثة، وعلى رأسها الذكاء الاصطناعي التوليدي، مشددة على أن الصحافة الجادة تبقى «الترياق الضروري» ضد الفوضى المعلوماتية.
جاء ذلك في كلمتها خلال منتدى مصر للإعلام، الذي عُقد اليوم في القاهرة بمشاركة نخبة من الإعلاميين والقيادات وصنّاع السياسات من مختلف الدول، حيث وصفت المنتدى بأنه «منصة مؤثرة للحوار والابتكار والنزاهة في المشهد الإعلامي».
وأشادت فليمينغ بقصة تأسيس المنتدى على يد السيدة نهى النحاس وفريقها الشاب، مؤكدة أن نجاح المنتدى يعكس التزاماً أخلاقياً بالتعاون والتواصل القائم على القيم الإنسانية.
وقالت فليمينغ في مستهل كلمتها: «معًا يمكننا أن نؤكد التزامنا بأعلى معايير المهنية والإبداع، حيث يخدم الإعلام الحقيقة والمساءلة والإنسانية».
وأضافت أن العالم يعيش «زمنًا تتراجع فيه القدرة على التركيز، ويزداد فيه تدفق المعلومات ومع ذلك نشعر بأن لا شيء يكفي»، معتبرة أن «حروبًا تُشنّ اليوم على الحقائق والعِلم، وأن العالم المأزوم يحتاج إلى المعلومات الدقيقة أكثر من أي وقت مضى».
وكشفت المسؤولة الأممية أن نحو 40% من الناس حول العالم أصبحوا يتجنبون متابعة الأخبار، بينما يعتمد كثيرون على وسائل التواصل الاجتماعي التي «تروّج للإثارة على حساب الحقائق»، مشيرة إلى أن تدفقات المحتوى أصبحت «مملوءة بمواد أنشأها الذكاء الاصطناعي، بعضها تافه وبعضها موجه لإثارة الغضب».
وحذّرت فليمينغ من أن هذا الواقع «يجعل المتلقي يشك فيما هو حقيقي، ويجعل الحقائق تتنافس مع الأكاذيب على جذب الانتباه»، مؤكدة أن الأمم المتحدة تنبّه منذ سنوات إلى المخاطر الناتجة عن «المناخ المعلوماتي السام» الذي يرسّخ خطاب الكراهية والعنف ويقوّض الثقة في المؤسسات والإعلام.
وفي حديثها عن تأثير الذكاء الاصطناعي التوليدي، قالت فليمينغ إن العالم تغيّر جذريًا خلال ثلاث سنوات فقط منذ إطلاق تطبيقات مثل ChatGPT، موضحة أن هذه الأدوات «تتغلغل بسرعة مذهلة في حياتنا اليومية وتحوّل طريقة التفكير واتخاذ القرار»، لكنها نبّهت إلى أنها «تستند في عملها إلى مجهود الصحفيين دون إشارة أو تعويض».
وأضافت: «لقد تم تدريب هذه الأدوات على حساب دماء وتعب وعرق الصحفيين… لكنها رغم ذلك لا يمكن الوثوق بها لتقديم الحقائق بدقة».
وكشفت فليمينغ أن تطبيق ChatGPT وحده «يدّعي امتلاك 700 مليون مستخدم نشط أسبوعيًا، أي نحو 10% من سكان العالم البالغين»، محذّرة من أن هذا الاستخدام الواسع يؤدي إلى «تراجع حركة المرور على المواقع الإخبارية وتفاقم أزمة تمويل المؤسسات الإعلامية».
وأكدت أن الأمم المتحدة تعمل حاليًا على وضع مبادئ عالمية لنزاهة المعلومات تهدف إلى بناء مشهد إعلامي صحي يقوم على الثقة والمصلحة العامة والاستدامة الاقتصادية، مشيرة إلى أن «الصحافة المهنية المستقلة هي أساس هذا المشهد».
وختمت وكيلة الأمين العام للأمم المتحدة كلمتها بدعوة قوية للمشاركين في المنتدى: «أحثكم جميعًا على مواصلة الدفاع عن قيمة الصحافة المهنية، وابتكار طرق لتعزيز استدامتها الاقتصادية في عصر الذكاء الاصطناعي، والوحدة في خدمة الحقيقة».
وأضافت أن هناك مؤشرات مشجعة على أن «الجماهير تعود إلى الصحفيين الموثوقين حين تفقد الثقة في مصادرها الرقمية»، مؤكدة أن المستقبل لا يمكن بناؤه إلا على الحقائق والثقة والواقع المشترك الذي يجمع الإنسانية في مواجهة التحديات العالمية.



