الرئيسيةمقالات الرأي

عادل عامر يكتب : دور جامعة الدول العربية في توثيق جرائم الإبادة الجماعية

 

بقلم : الدكتور عادل عامر

 

تحتل القضية الفلسطينية موقعًا محوريًا في الوجدان العربي، وقد أكد ملحق الميثاق المتعلق بفلسطين (بروتوكول الإسكندرية) أن فلسطين ليست قضية دولة بعينها، بل قضية العرب كافة. ومنذ تأسيس جامعة الدول العربية، ظلت فلسطين بندًا ثابتًا على جدول أعمال المجلس من مستوى المندوبين إلى مستوى القمة، باعتبارها القضية المركزية للعمل العربي المشترك، وبوصفها عنوانًا للموقف العربي الموحّد في الدفاع عن الحقوق التاريخية للشعب الفلسطيني.

 

ومنذ ما قبل إعلان قيام الكيان الصهيوني عام 1948، أولت الجامعة العربية هذه القضية أولوية قصوى، إذ أقرّت قمة أنشاص 1946 حزمة من القرارات التي حذّرت من الخطر الصهيوني على المنطقة بأكملها، ودعت إلى وقف الهجرة اليهودية والعمل على استقلال فلسطين. ومع ذلك، استمر الاحتلال في فرض سياساته التهجيرية والعنصرية، وصولًا إلى ما يشهده العالم اليوم من عدوان غير مسبوق على قطاع غزة، يُعدّ الأكثر دموية في تاريخ الصراع العربي–الإسرائيلي، حيث خلّف حتى الآن ما يقارب ربع مليون شهيد وجريح ومفقود، أي ما يقارب 8% من سكان القطاع، مع تشريد مليوني فلسطيني ودمار يصل إلى 80% من البنية العمرانية.

 

هذا الواقع المأساوي يفرض مراجعة عربية شاملة لتطورات القضية الفلسطينية ولمدى فعالية الموقف العربي الرسمي خلال العقود الماضية، بما يتيح تقييم المسار وتصحيح ما يمكن تصحيحه، سواء تعزيزًا للدور العربي في مواجهة الإبادة الجارية، أو صونًا للنظام العربي الإقليمي ومستقبله.

 

أولًا: تمثيل فلسطين في إطار الجامعة العربية

 

شكّلت مسألة التمثيل الفلسطيني إحدى الركائز الجوهرية في الصراع العربي–الإسرائيلي، وقد مرّت بعدة مراحل تعكس تطورًا في النظرة العربية إلى الكيان السياسي الفلسطيني:

 

1. التمثيل الأولي عبر مندوب فلسطيني يشارك في أعمال الجامعة دون حق التصويت إلا في ما يخص الشأن الفلسطيني.

 

2. الاعتراف بالهيئة العربية العليا ثم حكومة عموم فلسطين.

 

3. قمة الرباط 1974 التي حسمت الموقف بإقرار أن منظمة التحرير الفلسطينية هي الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني.

 

4. دعم انضمام المنظمة إلى المنظمات الدولية وتوفير المساعدات المالية لها.

 

5. الاعتراف بالدولة الفلسطينية فور إعلانها في الجزائر عام 1988، وتبنّي القرارات الداعمة لها سياسيًا ودبلوماسيًا.

 

هذا التدرج منح المنظمة شرعية عربية وإقليمية ثابتة، وأسّس لتمثيل سياسي فلسطيني مستقل داخل الجامعة وأروقة المجتمع الدولي.

 

ثانيًا: العدوان على غزة والتحدي القانوني

 

أعادت الحرب الإسرائيلية الأخيرة على غزة إلى الواجهة النقاش العالمي حول القانون الدولي الإنساني، وشرعية استخدام القوة، ومعايير التناسب بين الضرورات العسكرية والاعتبارات الإنسانية. فقد كشفت مقاطع الفيديو التي وثّقت قصف المستشفيات واستهداف الأطفال والنساء والمسعفين حجم الانتهاكات الفاضحة لمبادئ القانون الدولي.

 

ورغم أن المادة (51) من ميثاق الأمم المتحدة تمنح الدول حق الدفاع عن النفس، فإن هذا الحق ليس مطلقًا، بل مقيَّد بمبدأي:

 

الضرورة العسكرية

 

التناسب

 

إلا أن ممارسات الاحتلال منذ 7 أكتوبر 2023 أظهرت تجاوزًا صارخًا لهذه المبادئ، مع تدمير ممنهج للمساكن والمستشفيات ومقومات الحياة، الأمر الذي يرقى – وفق نظام روما الأساسي – إلى جرائم إبادة جماعية وجرائم ضد الإنسانية.

 

ثالثًا: مسؤولية الاحتلال وفق القانون الدولي

 

طبقًا لاتفاقيات جنيف الرابعة، تتحمل القوة القائمة بالاحتلال التزامات واضحة تجاه السكان المدنيين، تشمل:

 

حماية الأرواح والممتلكات.

 

ضمان إمدادات الغذاء والدواء.

 

عدم استخدام القوة المفرطة أو العقاب الجماعي.

 

غير أن الواقع في غزة يعكس انتهاكًا شاملًا لكل هذه الالتزامات، مما يستوجب تحركًا قانونيًا دوليًا لتوثيق الجرائم وملاحقة مرتكبيها، وهو الدور الذي يتعين على المنظومة العربية تكثيفه في هذه المرحلة الحرجة.

 

رابعًا: نحو توثيق عربي شامل لجرائم الإبادة

 

أمام حجم الجرائم المرتكبة في غزة، تبرز الحاجة الملحّة إلى:

 

إنشاء آلية عربية متخصصة لرصد الانتهاكات وتوثيق الأدلة وفق المعايير الدولية.

 

دعم الجهود أمام محكمة العدل الدولية والمحكمة الجنائية الدولية.

 

تعزيز التعاون مع المنظمات الحقوقية العالمية.

 

إعداد تقارير قانونية رسمية تدعم القضايا المرفوعة ضد قادة الاحتلال.

 

ويأتي هذا الدور ضمن مسؤولية الجامعة العربية التاريخية في حماية القضية الفلسطينية، وتحصينها سياسيًا وقانونيًا أمام محاولات تصفيتها عبر الحرب، والحصار، والتجويع، ومحاولات التهجير القسري.

 

الدكتور عادل عامر

دكتور القانون العام والاقتصاد الدولي

مدير مركز المصريين للدراسات – مصر

محكّم دولي معتمد بمركز جنيف للتحكيم التجاري الدولي

عضو ومحاضر بالمعهد العربي–الأوروبي للدراسات السياسية والاستراتيجية – فرنسا

 

01118984318

01555926548

01024975371

01277691834

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى