
أيمن عامر
في قلب الزمالك، متحفٌ ليس كغيره من المتاحف، مبنى فريد يخفي خلف جدرانه بوابةً للزمن، حيث تتقاطع خطوات الزائرين مع ظلال المبدعين الذين صاغوا وجدان مصر والعالم العربي لحناً ومسرحاً وكلمة خلال العقود الماضية .
من اللحظات الأولى، لا تشعر أنك تزور متحفاً بل تدخل ذاكرة الوطن الثقافية والفنية: في كل ركن، تتردد نغمات، ويلمع بريق على أقمشة ارتداها عمالقة الفن فى مصر.
ففي الطابق الأول من مبنى المركز القومي للمسرح والموسيقى والفنون الشعبية، يستقبلنا في المدخل ملابس يوسف بك وهبي في “كرسي الاعتراف”.. تلك القطعة التي شهدت سقوطه اليومي على ركبتيه فوق خشبة المسرح، السقطة التي أثقلت جسده لكنها رفعت مجده، وعلى مقربة، نجد ما ارتدته العظيمة أمينة رزق في مسرحية “راسبوتين”، كأنها حاضره بعبيرها و ما تزال تحرس المسرح بصوتها المهيب وحضورها الأبدي.
ويمتد الممر ليعانق جيل الكبار: زكي طليمات شيخ المسرحيين، وفتوح نشاطي رائدٌ من رواد تأسيس الهوية المسرحية.
ثم نصل إلى ركن لا يشبه سواه… ركنٌ يعزف وحده: عود السيد درويش، طربوشه، عصاه، وعقد زواجه من جليلة… كلّها شواهد على رجل لم يرحل قط، بألحانه التي ما زالت تسكن الشارع والقلوب .
تتعثر مشاعرك مع كل خطوة: هنا دفتر ملاحظات داوود حسني بخطه ووجعه وبهجة موسيقاه، وهناك مقتنيات سميحة أيوب وسحر حضورها في “سكة السلامة” و”الفتى مهران”.، ثم ذلك البالطو الشهير الذي ارتداه توفيق الدقن في “كوبرى الناموس”، والذي يكفي أن تراه لتسمع صوته يتهكم من بين الذاكرة.
وتمتد الوجوه والظلال: حيث بلوفر وربطة عنق عبدالحليم حافظ من “معبودة الجماهير”، والنوتة الموسيقية لـ”أنت قلبي”… لحظة من عصر يصعب أن يتكرر.
ومخطوطات بخط يد بديع خيري، مارون النقاش، أبو السعود الإبياري، محمد التابعي… كلمات صنعت جيلاً وأثرت اجيلاً من المصريين والعرب.
وتتعاقب أسماء لن ننساها: توفيق الحكيم، صلاح جاهين، علوية جميل، محمد الكحلاوي، شكري سرحان، زوزو نبيل، عمر الحريري، سيد زيان، محمود الجندي، سناء شافع… وغيرهم ممن تركوا لنا فناً لا يصدأ ولا يشيخ.
هنا لن تجد “تاريخاً” معروضاً، بل عصراً حيّاً ينهض كلما اقتربت منه. كل قطعة تتنفس، وكل ركن يهمس، وكل خطوة تجعل الماضي أقرب مما تتخيل.
كل هذا ينتظرك في المتحف القومي للمسرح والموسيقى والفنون الشعبية التابع لقطاع المسرح بوزارة الثقافة
العنوان: ٩ شارع حسن صبري – الزمالك، القاهرة ، مواعيد الزيارة: يومياً من 10 ص حتى 5 م (الجمعة إجازة، مع إمكانية الزيارة بالتنسيق مسبقاً)، سعر التذكرة: ( 10 جنيهات للطلاب وكبار السن، 20 جنيها للمصريين، 200 جنيه لغير المصريين، مجاناً لذوي الاحتياجات الخاصة)
واليوم، وفي إطار مبادرة “فرحانين بالمتحف الكبير… ولسه متاحف مصر كتير”، تدعوكم وزارة الثقافة لزيارة هذا المتحف الفريد، لتعيشوا تجربة تُحيي الهوية المصرية وتغرس الوعي الفني والتاريخي في قلوب الجميع… خاصة أبناء هذا الجيل الجديد، حيث المتحف القومي للمسرح والموسيقى والفنون الشعبية… ورحلة إلى مرايا الوجدان.




